تنمية بشرية

فن تبرير الخطأ

فن تبرير الخطأ

يواجه الإنسان في مراحل حياته عقبات كثيرة ، عليه أن لا يستسلم إليها وأخطر هذه العقبات التي لا يجب أن تتملكه عدم الاعتراف بالخطأ أو الفشل في حياته ، فينبغي على الإنسان الذي يسعى لإصلاح ذاته وحياته أن يعترف أولا بارتكابه الخطأ ؛ حتى يتمكن من إصلاح نفسه ومعيشته .

الفرق بين مبررات النفس ومبررات الشيطان

تعتبر مبررات النفس أشد فتكا من مبررات الشيطان ، ولكنهما لديهما قدرة كبيرة لإخضاع العقل عن طريق مبررات قادرة على إقناع ذاته بعدم الوقوع في الخطأ ، وأنه لم يقترب أي خطأ ، وأن من حوله هم من يهولون عليه هذا الخطأ ، وعندما يطلب منه الاعتذار ، تجد نفسه تكابر وتمتنع عن ذلك ، ومن هنا يجد الشيطان مساعد له يستطيع حتى النجاح أكثر منه ، فكما قال الله تعالى : إن النفس لأمارة بالسوء .

فالإنسان يقوم بالتبرير لذاته بطرق كثيرة ومتنوعة ، فسواء كانت المعلومات التي يستقبلها عقل الإنسان في صغره خاطئة أم صحيحة فهو يقوم بتخزينها ، وبعد نضوجه فإنه يحاول الاستماع بعد أن يفهم مستخدما عقله الواعي في ذلك ، ولكن أثناء التنفيذ فهو يستخدم عقله الباطن اللاواعي ، فمثل هناك الكثير من المدخنين الذين يتمنون لو توقفوا عن التدخين ، في حين أنهم لا يستطيعون ، حيث أن العقل الباطن هنا هو الذي يرفض التوقف  التدخين .

فن التبرير

لا يختلف العقلاء، ولا يرتاب الفضلاء أنّ حصول الأخطاء وارد على كافة الصعد والمستويات الرسمية والفردية، وهذه جِبِلة بني آدم وطبيعة من تكوينه مركب من الخطأ.. وفي صحيح الخبر عن سيد البشر ما لا يخفى على مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون)

فهنا قال: كل ابن آدم عموماً … وبالمناسبة لماذا سمِّي ابن آدم ابن آدم؟!

يقول العلماء: إنه سمِّي بذلك لأنّ البشر كلهم بنو آدم.. كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ …}. وهي (آدم) وآدم سمِّي آدم لأنه خلق من (أديم الأرض) أي وجهها!! كما قال صلى الله عليه وسلم: (خلق الله آدم من قبضة قبضها من أديم الأرض، فجاء بنوه على ضوء هذه القبضة منهم السهل والحزن، والخبيث والطيب، والأبيض والأسود …) أ هـ.

فنحن المخطئون أبناء المخطئين لكن: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا …}، ولاحظ هنا لم يقل (إذا) بل قال (إنْ) نسينا أو أخطأنا.. كأنه واقع في الخطأ لا محالة!!

لكن يفرق العلماء بين (المخطئ) و(الخاطئ).. فالمخطىء: هو من يقع في الخطأ من غير قصد أو سبق إصرار وتعمُّد!! كما في قوله تعالى في الدليل السابق.. {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا …}.

أما الخاطىء: فهو من يقع في الخطأ بسبق إصرار وتعمُّد كما في قوله تعالى: {وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ …}. فلم يقل المخطئون بل الخاطئون.. أي الواقعون في الجرم والذنب عمداً!! وقوله ولا طعام إلاّ من (غسلين) أي: عصارة أهل النار.. والعياذ بالله.. أجار الله جميع قرّائنا من ذلك..

أعود إلى صلب الموضوع: وهو فنّ تبرير الأخطاء: فلدينا نجاح باهر، نجاح منقطع النظير في فنّ تبرير الأخطاء!! وحسب ظني أنه لا يوجد أحد يساوينا في هذا الجانب فكلٌ يبرر، ويسوّغ الأخطاء، ويلقي باللائمة والخطأ على الغير!! وربما كان الغير فعلاً مشاركاً في خطأ من الأخطاء، أو له نسبة في عدم نجاح أو اكتمال أمر من الأمور.. لكننا نلقي باللائمة عن كواهلنا تماماً.. كأننا كملّة لا يقع منا الخطأ!! وهذا دليل على الإحساس بالنقص!! وعدم الثقة بالنفس!! وإلاّ فمن لديه ثقة بنفسه، ولديه جرأة أدبية، يقول نعم حصل منا تقصير في كذا وكذا أو تباطؤ في كذا وكذا!! (والخطأ هو طريق الصواب).. والفشل هو طريق النجاح.. لابد أن نربي أنفسنا وأبناءنا على شيء غريب على مجتمعنا اسمه (الاعتراف)!!

وهذا يجب أن يكون على مستوى الأفراد، والمؤسسات والمصالح الحكومية وغيرها!! كتصريف السيول مثلاً أو غيرها!! لكن كما قال تعالى: {وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}.

حريٌ بكل عاقل أن يعترف بما لديه من تقصير، حتى يثق الناس به، وأنه ينشد الكمال.. ولا يدّعي الكمال!! فنحن لسنا ملائكة مقرّبين، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون!! بل نحن خطاؤون ندّامون!! وقد قيل في سبب تسمية الإنسان إنساناً إنما سمُّي إنساناً لكثرة نسيانه!!

تبرير الأفعال

التبرير في علم النفس يشكل التبرير justification في علم النفس أحد أكثر أنواع حيل الدفاع النفسي التي عادة ما يستخدمها الأشخاص في مراحل حياتهم المختلفة في محاولة للوصول إلى حالة الإنسجام والهدوء الداخلي والعمل على محو الشعور بالذنب وتأنيب الضمير ويمثل تبرير الأفعال سواء للذات أو للغير أسلوب دفاعي طبيعي طالما لم يتجاوز الحد الأمن وينتج عن وعي ولا يكثر إستخدامه حتى لا يتحول لعادة مرضية وينتقل للاشعور وتكون أضراره أعظم من نفعه.

ثقافة التبرير: بالرغم من نظرة المختصين والمحللين النفسيين إلى الشخص الذي يبرر أفعاله على أنه عاجز ولا يقوى على مواجهة أفعاله ووجهة نظر البعض في أن كثرة التبريرات والتزام ثقافة التبرير دليل على ضعف موقف ممارسها وأنه يشعر بالخطأ ولكنه يسعى للتملص من فعلته بالأكاذيب إلا أن تبرير الأفعال في إطار محدود ودون إستمرارية له جانب إيجابي .

خطورة التبرير تكمن خطورة التبرير الحقيقية في شعور اللذة والإستمتاع بالقدرة على خداع الآخرين وإيجاد مبررات منطقية لفعل مشين والإصرار على الخطأ وتعمد عدم الاعتراف به رغم يقين المخطئ من سوء تصرفه والأخطر هو توهم الشخص بصدق ما يقوله وإقناع نفسه بصحة موقفه والتشبث برأيه . مما يجعله يتمادى في الباطل ويزيد الأمر سوء ويفقد الفرد حينها الشعور بتأنيب الضمير أو الندم على سلوكه ويستسهل تقديم التبريرات عند الوقوع في الأخطاء ولا يتحمل المسئولية.

الاستمرار في الخطأ

كان غريغ ميتشيل مؤلف كتاب « الاستمرار طويلا في الخطأ» أحد أولئك الصحافيين القلائل الذين أعلنوا منذ مطلع عام 2003 أن الأسباب التي قدّمتها إدارة جورج دبليو بوش للقيام بغزو العراق لم تكن تقوم على أساس متين. وهو يعود في هذا الكتاب الجديد إلى نفس الموضوع وإنما من زاوية الكيفية التي تصرّفت فيها وسائل الإعلام الغربية عامة، والأميركية خاصة، حيال تلك الحرب.

وتتمثل إحدى النقاط الأساسية التي يؤكد عليها المؤلف في القول ان وسائل الإعلام المعنية قد انطلقت من موقف القبول بما قاله العسكريون بداية ثم أخذت بطرح الأسئلة لاحقا . هذا موقف يمشي على رأسه ، حسب رأيه. ذلك أن مشكلة الديمقراطية الحديثة تكمن تحديدا في كون أن المدنيين، وليس العسكريون، هم الذين يقررون قضايا الحرب والسلام هذا في الوقت الذي تدلّ فيه مؤشرات كثيرة على نقص ثقة العسكريين بحكوماتهم وفي أحيان كثيرة بقياداتهم السياسية المدنية . وتشير استطلاعات للرأي أن حوالي خمس العسكريين في الولايات المتحدة لا يولون أية ثقة بالسلطات العليا.

إن غريغ ميتشيل لذي كان قد أعلن مواقف نقدية »واضحة« حيال الحرب الأميركية في العراق منذ ربيع عام 2003، وأيضا حيال موقف وسائل الإعلام منها، يعود اليوم بعد خمس سنوات من اندلاع هذه الحرب واستمرارها حتى اليوم دون أي أفق واضح ينبئ بنهايتها إلى مناقشة كيفية تغطية وسائل الإعلام لها وللصورة التي آل إليها الجيش الأميركي اليوم. إنه يستعرض في هذا العمل ما كان قد كتبه و ثبّته في السابق مع مقدمة جديدة لجوزيف غالاوي.

هذا الكتاب يشكل أيضاً في أحد وجوهه تأريخا كاملا لحرب العراق الأخيرة. إن المؤلف يعيد شرح الأسباب التي كانت وراء نشوبها ولكن أيضاً الأسباب التي تجعل من العسير جدا الخروج منها . وهو ينطلق من القول أن الجيش الأميركي لم يجد نفسه في مثل الوضع الذي هو فيه منذ عدة أجيال.

الجنود الأميركيون موجودون في العراق منذ أكثر من 5 سنوات وفي أفغانستان منذ أكثر من 7 سنوات.

إنها سابقة« لا مثيل لها منذ الحرب الفيتنامية من حيث بقاء قوات أميركية في أرض خارجية. بالتوازي مع هذا، ووجود عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين في العراق ومن وقوع ضحايا منهم كل يوم تقريبا، تتابع النقاشات أيضا، وتزداد حدّة، في مختلف وسائل الإعلام الأميركية وبحيث أن هذه الحرب قد أصبحت الموضوع الأكثر إثارة للاهتمام في النقاشات التي تنظمها قنوات التلفزة المختلفة ولافتتاحيات الصحف أيضا.

إن غريغ ميتشيل يرصد السياق و الأحداث التي عرفتها الفترة التي سبقت شن الحرب على العراق في ربيع عام 2003. ولا يتردد في أن يبدي دهشته من واقع أن العديد من المواقف التي صدرت عن شخصيات مرموقة قد جرى طمسها و تناسيها ، مثل كتابة توماس فريدمان على صفحات النيويورك تايمز: فيما يخصّني، إننا لسنا بحاجة للعثور على أسلحة الدمار الشامل من أجل تبرير هذه الحرب . هذا مثال من عشرات الأمثلة من نفس الطبيعة يسوقها المؤلف.

بكل الحالات ما يؤكده جوزيف غالاوي في مقدمته لهذا الكتاب هو أن الحقيقة في أغلب الأحيان تكون الضحية الأولى للحروب، أما قتلتها فليسوا فقط هم رئيس ووزير دفاع ومجموعة من الناطقين الرسميين. ولكن أخونا وأخواتنا في وسائل الإعلام يشاركون أيضاً في إعدامها .

ومن خلال هذا التعليق يمكن فهم اختيار المؤلف لعنوان فرعي للكتاب يقول: كيف ساهمت الصحافة والخبراء والرئيس في الفشل العراقي .ويحدد غريغ ميتشيل خطأ الأول الكبير الذي اقترفه رجال الإعلام في أن أغلبيتهم قد قبلوا أو لم يرفضوا سوى بحياء كبير الحجج التي قدّمها الرئيس جورج دبليو بوش وإدارته والمقرّبون منه من أجل تبرير شن الحرب على العراق، قبل وقوعها وخاصة الحجة القائلة بامتلاك نظام الرئيس السابق صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل و الخطر الذي كان يشكله على البلدان المجاورة.

وفي نفس ذلك السياق أبزرت صحف شهيرة مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست أخبارا عن سعي النظام العراقي السابق لامتلاك السلاح النووي. وبالمقابل جرى حشو بعض الآراء، التي قدّمها خبراء وشككوا فيها بالحجج الرسمية الأميركية، في الصفحات الداخلية إلى جانب الإعلانات عن الفياغرا . ولم تتردد صحف ومجلات كثيرة، ليس أقلها شأنا «التايمز» في اللجوء إلى شهادات لمعارضين عراقيين مزيفين .

إن هذه الصحف والعديد من وسائل الإعلام الأخرى لم تقم، حسب رأي ميتشيل، بالدور الأساسي المناط بها، وهو أن تكون أمينة لـ «واجب» الإعلام. وبالتالي طرح التساؤلات حول مصداقية ما يقوله الرسميون الأميركيون. لكن الحرب قامت وبدا من الواضح أن قرارات سيئة قد جرى اتخاذها على قاعدة حجج سيئة هي الأخرى.

ويرى المؤلف أن الحاكم بول بريمير والسلطة المؤقتة للتحالف ووزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد قد ساهموا، جميعهم، في تأجيج المقاومة ضد الاحتلال. وما يتم تأكيده في هذا السياق أيضاً هو أن رامسفيلد، ونائب الرئيس ديك شيني، لم يجدا حولهما، سوى ماندر، من يدعوهما إلى التعقل والتأمل.

التبرير في علم النفس

إن مواقف الحياة بما فيها الضغوط والصدمات الانفعالية وحالات الإحباط ونوبات الغضب هي جزء لا يمكن تجاهله في خبرات أي فرد مهما كان منظماً وناضجاً في إدراكه.

ويلجأ الجميع على اختلاف ثقافتهم وكفاءتهم للبحث عن أساليب وحلول ورود أفعال متنوعة ومختلفة للتخفيف من حدة الضغط النفسي الذي يعتريهم نتيجة المواقف الصعبة.

والحقيقة أن المواقف الصعبة ضغطاً كانت أو حوادث تمثل أزمة في مفهوم الإنسان تؤثر على تفاعله وعلى استمراره في الحياة بالصورة المتوقعة التي ارتسمها وارتضاها لذاته.

وهو بذلك قد يلجأ لأساليب قد لا تخدم المواقف ولكنها تحقق له شيئا بسيطاً من التكيف النسبي الذي يخفف من قلقه وشعوره العارم باليأس والفشل.

وبالرغم من أن الذين يتمتعون بحالة نفسية جيدة يدركون تماماً أن الحلول الإيجابية لا يمكن أن تكون مؤقتة وسطحية إلا أنهم قد يشتركون مع غيرهم في محالة تبرئة ذواتهم من التسبب في وقوع المشاكل مهما كان نوعها أو حجمها.

ويذهب الكثير من الناس على اختلافهم إلى تحميل الآخرين والعوامل الخارجية أسباب حدوث الضغوط والمشاكل والأزمات في محاولة وهمية للتخفيف من وطأة التأثر السلبي . مما يدخلهم في دائرة مغلقة من التحسر والألم والمعاناة وتكرار نوبات القلق والغضب الداخلي.

وقد تحدث علماء النفس عن الكثير من العمليات النفسية التي ينتقيها الفرد لنفسه والتي يحاول من خلالها إعادة توازنه النفسي ولكنه يفشل في إعادة هذا التوازن عند اعتماده على أساليب مؤقتة تبعده عن الأسباب المنطقية وبالتالي تجنبه الحلول الناضجة المتوائمة مع النفس الإنسانية الصحيحة ً.

ومن أهم تلك الأساليب أو الحيل النفسية كما يطلق عليها في المجال النفسي : (التبرير) والذي يعني تفسير الفرد للمواقف الخاطئة تفسيراً مقبولاً وإعطاء النتائج السلبية أسبابا منطقية.

والفرد في حالة ممارسته للتبرير يحاول أن يهرب من مواجهة الواقع ويتجنب القلق الذي قد يشكل له عاملا مهددا في حياته وعلاقاته مع الآخرين.

كما أنه يمارس الدفاع عن النفس لمحاولة إرضائها والمحافظة على احترامها ومكانتها في حسه وحس الآخرين.

والتبرير حيلة نفسية دفاعية لا شعورية ولكنها عقلية، ومن خلاله يبرر الإنسان لنفسه ولمن حوله بأنه لم يقترف ما يلزم حدوث الخطأ أو وقوع الأزمة وأن هناك عوامل خارجية تسببت في حدوث تراجعه أو مشاكل حياته:

فالطالب الذي يخفق في الاختبار يحمل المعلم والمنهج أسباب فشله، والزوجة التي تعاني في حياتها الزوجية تحمل أهل الزوج مسؤولية ذلك والزوج الذي لا يحسن إدارة حياته الزوجية ويقوم بإلقاء اللوم على الزوجة وعلى الحظ والموظف الكسول يبرر كسله وقلة إنتاجه بسوء إدارته وسوء الأنظمة من حوله.

إن التبرير هو حالة من العجز يعيشها الفرد ويحاول التستر خلفها حتى لا ينكشف ضعفه المتأصل في ذاته القلقة.

وهو بذلك لا يحل المشكلة ولا حتى يفهمها وإنما يجعلها مفهوما مركبا من الألم والإخفاق والتراجع والبؤس.

إن التبرير عملية تتم من خلال تشويه وتزييف الواقع لتصبح الحقائق مغيبة وتائهة في نفوس غير آمنة وغير مطمئنة.

إن الإسراف والتعود على ممارسة التبرير يبدد طاقة الإنسان وجهده الذهني والنفسي ويعوق مهاراته وقدرته على معايشة الواقع وقراءة ذلك الواقع شمولية وموضوعية وبذلك لا يحقق النمو النفسي والفكري المطلوب والمناسب للمتطلبات الحياتية الاجتماعية.

مع أن استخدام القليل من التبرير مقبول منطقياً عند بداية بعض المشاكل أو الأزمات. على أن لا يتحول إلى اتجاه ثابت وممارسة دائمة للتعامل مع الضغوط.

ولمعالجة التبرير كحيلة دفاعية نفسية يستخدمها البعض. على الفرد أن يتصدى لمشاكله دون تجنبها أو الهرب منها. حيث يتطلب الأمر منه تحديد المشكلة بكل أبعادها وحجمها وأن يتعامل مع المشكلات على أنها جزء منها وبالتالي فإنه جزء من علاجها.

كما ينبغي على الفرد استدعاء خبراته في الحياة للتصدي للمشاكل بواقعية أكثر وإيجابية أفضل.

ويحتاج البعض للدعم الاجتماعي عند وقوعه في أزمة أو مشكلة وذلك للحصول على عدد كبير من الاستشارات والخبرات التي قد تحسن من تفاعله مع المواقف المختلفة.

إن الإدراك الجيد والواعي بإمكانية التحكم بالنتائج أو الآثار السلبية يجعل الفرد أكثر قوة وحكمة في مناقشة مشاكله وبالتالي يصبح أكثر كفاءة في تحقيق التعايش المطلوب.

إن مواجهة المواقف والضغوط يتطلب الكثير من الشجاعة وقوة الشخصية التي لا تتناغم مع التبرير وغيره من وسائل الهروب والتنصل من المسؤولية الفردية.

الشخص الذي يبرر أفعاله

يعتبر التبرير حيلة نفسية لا شعورية يلجأ الإنسان إليها في حالة تقديمه عذرا أخلاقيا لعمل قام به غير أخلاقي ، في هدف منه لتبرير ما يشعر به من توتر نفسي داخلي ، وحتى يعم في داخله الاستقرار .

اسباب تبرير الشخص لأفعاله

  1. فطرة الله عز وجل:فلقد فطر الله الإنسان على الإحساس بالذنب دوما ، ووضع بداخله ضميرا يحاسبه على مختلف أعماله ، والذي يسمى بتأنيب الضمير ، بحيث يكون ذلك سببا في القضاء على ما يحدث داخل الإنسان من حالة الصراع التي تتواجد فيه ، حيث أنه مهما حاول الإنسان فهو لا يمكنه أن يعاند ما في أعماق قلبه من فطرة الله التي غرسها داخل أعماقه .
  2. محاولة الهروب عن طريق خلق المبررات: يقوم الشخص بخلق الأعذار والمبررات في حالة الشعور بالذنب تجاه أي عمل ليس بأخلاقي يقوم به ، في هروب من الأفعال التي تنافي العدل والحق ، فمثلا حين يقوم السارق بالسرقة ، فهو يقوم بالتبرير لذاته مثلا أن هناك أغنياء كثيرين لا يساعدون الفقراء ، وأنه لا فرق إذا سرق الفقير من الغني ، فإن ذلك لا يفرق كثيرا في إنقاص أمواله ، فمثلا لن يشعر الشخص الذي يملك مليارات من الجنيهات إذا سرق منه خمسين ألف جنيه ، أو حتى يزيد ، حيث يعد ذلك واحدا من مبرراته .
  3. امثلة من القرآن الكريم على التبرير: ولقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز بسورة يوسف ما فعله إخوته وماذا برروا لأنفسهم حين قال الله عز وجل : اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين ، حيث أجمع الأخوة جميعهم على قتل أخيهم من أبيهم لما وجدوه من حب لأبيهم له أكثر منهم وغيرة منه ؛ لأنه كان أفضل منهم رغم صغر سنه فقد كان المقرب لهم من والدهم ، ولذلك كان تفكيرهم في قتله هاجسا يكبر يوم بعد يوم ، وبالفعل بعد أن قرروا وجدوا لهم المبرر الذي يعمل على تهدئة توترهم النفسي الداخلي والذي يمنحهم الاستقرار في أعماقهم ، وهو حتى يصبح قلب الأب لهم وحدهم .

ولقد قال الله في هذا التبرير في كتابه الكريم بل الإنسان على نفسه بصيره ولو ألقى معاذيره ، أي أن الإنسان مهما يفعل من أمور ليقوم بتبرير مواقفه أمام الناس سواء ليخفي ما يفعله من أمر مشين أو ليداري على فعلاته وأعماله ، فهو في نهاية المطاف ، وعند الجلوس أمام نفسه يعلم في أعماقه ما بدر منه من تصرفات وأن هذه التبريرات في الحقيقة ليست سوى مسكن له أمام عامة الناس ، ولكن مفعولها سرعان ما يزول أثناء استقراره ومجالسته أمام نفسه .

أمثلة لمبررات الدول القوية على أفعالها في الدول الضعيفة
ومن المبررات القوية التي تتخذها الدول الكبرى في حالة مثلا مهاجمتها لدولة أخرى ، مثل مثلا هجوم الولايات المتحدة الأمريكية على فيتنام ، فكنا نجدها تبرر هذه الأمور في أنها تعمل بشكل قطعي وجذري على محاربة الاستبداد الذي فرضه النظام الشيوعي في تلك المنطقة ، في محاولة منها لخلق أعذارا لأفعالها المتوحشة والعدائية أمام العالم ، بينما حتى كثير من الأمريكيين أنفسهم كانوا يرونها حرب غير مبررة ، أنها كانت جزء من الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية .

وبهذا فإن التبرير يعتبر دافعا لا شعوريا يصدر من الشخص في حالة دفاعه عن ذاته أو إقدامه على فعل أمر مشين ، ففي هذه الحالة يقوم بتبرير أخطائه واللجوء ها هنا للأعذار والتبريرات في محاولة منه إما للهروب من تأنيب ضميره أو في محاولة منه للهروب من المجتمع ومعاتبة الناس له .

السابق
مفهوم التنظيم
التالي
فن الاعتراف بالخطأ

اترك تعليقاً