تنمية بشرية

كيف تصبح شخص مستقل

كيف تصبح شخص مستقل

أن تكون مستقلًا يعني أن تكون قادرًا على العناية باحتياجاتك الخاصة و أن تتحمل المسؤولية عن قراراتك مع مراعاة الأشخاص من حولك ومراعاة بيئتك، معظمنا يعيش في حالة من الاعتماد المتبادل سواء كان ذلك مع شركائنا ، أصدقائنا أو أي فئة اجتماعية أخرى.

الاستقلالية تعني كونك مؤلف حياتك . أنت تؤلف القواعد التي تعيش بها.أنه يعني امتلاك واقعك الخاص وتصوراتك و أفكارك ومشاعرك و أرائك.

الاستقلالية تعني امتلاك الثقة بأن نكون أنفسنا والوعي الذاتي لمعرفة من نحن وما نريد.

الاستقلال الحقيقي ينبع من حب الذات إذا كنت لم تقبل نفسك فهذا يعني يعني أنك لا تثق بنفسك ولا بقراراتك و على هذه الحالة أنت تسمح للآخرين أن يحددون من أنت وكيف تتصرف.

معنى شخص مستقل

مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ :- : قَائِمٌ بِنَفْسِهِ.
وَطَنٌ حُرٌّ مُسْتَقِلٌّ :- : أَيْ وَطَنٌ مُتَمَتِّعٌ بِالسِّيَادَةِ.

تعريف الاستقلالية في علم النفس

ان مصطلح الاستقلالية (autonomy)، مشتق من الاصل اليوناني “اوتوس” و”نوموس” (الذات+القانون) ويشير الى حق الافراد او مقدرتهم على حكم أنفسهم. الافراد يقال مستقلون اذا كانت افعالهم هي حقا تعود لهم، ويحوزون على حرية اخلاقية.

ان ضرورة هذه الحرية الاخلاقية اُعلن عنها بوضوح في اعمال العديد من الفلاسفة كجان جاك روسو، على سبيل المثال، الذي ناقش في عقده الاجتماعي ما اعتبره علاقات مركزية هامة بين ما اسماه الرغبة العامة، الحرية، المساواة. وتأتي من هذا العمل ايضا عبارة روسو الثورية الشهيرة “الانسان ولد حرا وهو مقيد بالسلاسل في كل مكان”.

مصطلح الاستقلالية هو ايضا حجر الزاوية في نظرية كانط الاخلاقية التي تكون فيها حيازة استقلالية الرغبة شرطا ضروريا للفرد الاخلاقي. يرى كانط ان الاستقلالية تعمل بمثابة القدرة على معرفة ما تتطلبه الاخلاقية منّا بدلا من ان تكون حرية في السعي لتحقيق غاياتنا. ان حيازة الاستقلالية تسمح للفرد بالتصرف وفق قواعد موضوعية وعالمية صالحة تستمد شرعيتها من العقل وحده. في المعجم الكانطي نجد هذه الفكرة منفصلة كليا عن مصطلح الـ”heteronomy” (التأثر بقوى خارج الفرد) وهو المصطلح الذي استخدمه كانط ليشير الى ظروف التصرف وفق الرغبات والتي لم يشرعها العقل. في (الفصل الثاني صفحة 46 من المبادئ الاساسية لميتافيزيقا الاخلاق) يجادل كانط اننا يجب ان نرفض كل الاحكام التي لا تنسجم مع ارادة سن قانون عالمي و”اننا يجب ان نتصرف فقط وفق الاحكام التي تصبح بها الرغبة في ذات الوقت قانونا عالميا”. يرى كانط ان اي تفكير قائم على رؤية ان القانون الاخلاقي يتم فرضه من الخارج هو قانون مشابه تماما لقانون الآخر (heteros).

بالنسبة للاخلاقي الكانطي، لايمكن انجاز النضج الاخلاقي بدون القبول بالحاجة للاستقلالية كما عُرّفت اعلاه. قبول النظريات الخارجية التي تتطلب الطاعة العاجلة لأوامر الدولة او المجتمع او للإيمان الديني، ستضع الافراد في موقع الإذعان وقبول الاوامر المفروضة عليهم كي يعملوا بطرق لم يقوموا ولا يستطيعون القيام بها. ومن جهة اخرى، اذا كان الافراد يميزون بشكل مستقل ويقررون قيمهم الاخلاقية الخاصة، فهم عندما يتصرفون طائعين لها، انما يقومون بهذا ولديهم الاحساس العميق بحريتهم في تقرير طبيعة افعالهم. التصرف بهذه الطريقة، كما جادل كانط ذاته، يعني التصرف باسلوب من استخدام القدرات العقلانية المشتركة لدى جميع الناس لأغراض اكتشاف القانون الاخلاقي الذي هو ايضا قابل للتطبيق بشكل عام وكوني.

هذا الموقف لايشبه فكرة ان الاستقلالية تمثل السيادة الكلية للفرد على خياراته للقيم الاخلاقية وافعاله وتطوره الذاتي. الفرق بين هذين الموقفين الموقف الكانطي والموقف الذي يوصف بالنسخة الوجودية المتطرفة، يؤثر بوضوح وبشكل هام على رؤيتنا للمفاهيم المتصلة بالحرية والمسؤولية. “الحرية”، في هذا المعنى الاخير تمنح اهمية عظيمة لـ”الاصالة” وتجنّب الايمان الزائف(1). طبقا لهايدجر، الاصالة هي ظروف اولئك الذين يفهمون البناء الوجودي لحياتهم، الذين يقودهم القلق العميق لتحمّل المسؤولية عن حياتهم وبالتالي اختيار هوياتهم الخاصة بهم والعيش بطريقة هامة وملائمة عاطفيا. “اللااصالة”، من جهة اخرى، يعرّفها هايدجر بالحالة التي تنسلخ بها الحياة عن الهدف والمسؤولية وهي بهذا يتم الانحدار بها انسانيا وشخصيا.

عند الذهاب الى ما وراء الاصل الكانطي لفكرة الاستقلالية، فان الاستقلالية الاخلاقية بهذا المعنى الهايدجري “فهم البناء الوجودي للحياة”، بدلا من الاعتماد السلبي على انظمة القيم التقليدية ستساعد الافراد تجاه الوعي بقيمة واهمية تجاربهم المتميزة والخاصة بهم وبهذا يصبحون في موقف يمكنهم فيه الانخراط كأفراد بالأسئلة الاخلاقية المعقدة كتلك الناجمة عن الحاجة لتطبيق التحليلات الاخلاقية على المجالات الجديدة والممتدة من المعرفة الانسانية والتي لاتزال شائكة اخلاقيا.

ان التحفظ من القبول اللانقدي للمواقف الاخلاقية بشأن الاسئلة الاساسية يمكن اعتباره كرغبة من جانب الافراد لبناء الفكر الفلسفي على تجاربهم الخاصة بالحياة والقضايا اليومية اكثر ما هو على سلطة الاخرين. هذا التطور، مع انه ليس جديدا، لكنه بوضوح يمثل انعاشا لنمط التحقيق الاخلاقي الذي انعكس على سبيل المثال في تفكير الفلاسفة الاغريق والرومان حول اسئلة مثل كيف يجب ان نعيش وكيف يجب ان نموت. وبالمثل، كتب هيوم عن الانتحار، وفي القرن التاسع عشر، كتب جميع فلاسفة النفعية الكبار عن قضايا الاخلاق التطبيقية.

صفات الشخص المستقل

  1. لديه الاكتفاء المالي الذي يغنيه عن الاحتياج المادي لأحد.
  2. أن يكون ذات ثقافة ومعرفة شاملة بمختلف الأمور والمجالات.
  3. أن يتصف بقوة الشخصية حيث يكون حر في قراراته وآراء.
  4. لديه الجرأة في الدخول بالمنافسة في مختلف الأمور.
  5. لديه معتقدات ووجهات نظر خاصة به.
  6. تكوين الكثير من العلاقات الاجتماعية من حوله.

بناء الشخصية المستقلة

  1. بداية من المرحلة التعليمية يجب الاهتمام بالفكر الحر بالنسبة للطفل ومناقشة أعماق الأمور وإعطاء الطفل فرصة لإبداء رأيه مهما كان تافها ودراسة المناهج دون حفظ بل فهم.
  2. كي يتكون لديك وجهة نظر وآراء خاصة بك لابد من أن يكون لديك قاعدة معرفية وثقافية قوية حتى لا تتحدث بتفاهات الأمور وأن تكون مدرك للقضايا المحيطة بالمجتمع الذي تعيش به.
  3. ينبغي الاهتمام بالحياة المهنية الخاصة بك وحتى تصل إلى درجة وتميز أعلى سيأخذ ذلك منك الكثير من الجهد، كذلك تعلم أن تقول لا أمام ما يعيقك ويهدر قوتك وطاقتك فالخجل من كلمة لا لن يؤتي لك إلا الخسارة واختار الوقت المناسب الذي تقول فيه لا.
  4. عليك أن تملك القدرة علي التحكم في ما يخص أموالك وأن لا تهدرها فيما لا قيمة له، كذلك ينبغي أن تكون من الأشخاص الذين يرغبون في تنمية ذاتهم و تطويرها و تحسين مهاراتك حتى تناسب طموحك في الوصول للأهداف يتطلب جهد وتفكير وعناء، كذلك كن ذكيا ولا تجعل أحد يخدعك بسهولة، فعندما تركز على هدفك تدرك جيدا ما تريده من الحياة ويزيد احترامك لنفسك.
  5. لا تنخرط في أي تجمع تقابله وكن شخص انتقائي في علاقاته الإنسانية عموما.
  6. تتبع البوصلة الداخلية أو الحدس الخاص بك للوصول  للأشياء التي تريدها وكن واقعيا وقم بدراسة نقاط القوة والضعف لديك والعمل على تعديلها.
  7. لابد أن تكون مستقل ماديا عن الآخرين حتى لا تخضع لأمور لا ترغب بها، في الدخل الثابت يؤمن احتياجاتك الأساسية والتكميلية.
  8. أن تكون مؤمنا بالله ومؤمن بنفسك وبقدراتك الشخصية هذا هو سر النجاح في الحياة عموما وأن تستعين بالله في كل أمور حياتك.
  9. الشخصية الاستقلالية لا تلتفت إلا للصفات الإيجابية في كل إنسان، كذلك يتعامل مع نفسه باحترام، ويتخطى المشاكل التي تصادفه بذكاء ويمكنه العمل والعيش دون وجود احد يساعده كذلك يتقبل النصائح بلا ملل ويحب مساعدة الآخرين.
  10. صاحب الشخصية المستقلة لا يلتفت إلى صغائر الأمور بل يهتم فقط بما هو مهم.

الاستقلالية الشخصية

يتّسِم كلّ إنسان بشخصية معيّنة، أمّا الشخصية الاستقلالية فتُعرَف بانفتاحها على الآخر. ولا يَقتصر انفتاح هذه الشخصية على أسرتها وأصدقائها بل يتعدّاه إلى المجتمع ككلّ، حتّى إنّ بعض التعاريف تؤكّد أنّ الشخصية الاستقلالية لا تنتمي فقط إلى وطن بل إلى الإنسانية أجمع.

ومِن أهم سِمات هذه الشخصية عدمُ بناء القيود والحواجز مع الآخرين، والتعامل معهم بالتساوي، دون اعتبار أنّ هناك أشخاصاً أعلى مكانةً من آخرين.

ويَجد ذو الشخصية الإستقلالية صفات إيجابية في كلّ إنسان، فيما يغضّ النظر عن الصفات السلبية للآخر ويَبتعد عن نبذِه أو كرهه. وتتمتّع الشخصية الاستقلالية بحبّ الذات وتتعامل مع نفسِها بصورة طيّبة. لا يعني ذلك أنّ أصحاب الشخصية الاستقلالية لا مشاكلَ لديهم، ولكنّهم يعرفون كيف يتخطّونها بشكل ذكيّ ومتحرّر.

عندما تسيطر الشخصية الاعتمادية على التصرّفات وفي حين تَمنح الشخصية الاستقلالية صاحبَها الكرامة وعزّة النفس، يتمتّع أشخاص آخرون بشخصية تبَعية أو اعتمادية لا يمكنها فعل شيء سوى بمساعدة الآخرين. يبحث هؤلاء الأشخاص عن استمداد القوّة من الأصدقاء أو الأقارب أو من شخص ما.

هذه الشخصية تريد أن تحصل على كلّ شيء من الآخر بطريقة واعية أو غير واعية بدون أن تقوم بأيّ مجهود شخصي. تُعرف الشخصية الاعتمادية بسهولة الانقياد للآخرين، وبفقرِ المؤهّلات القيادية والاستقلالية، وهي قادرة على تقبّل النصائح واتّباع التعليمات بدون أيّ تذمّر، وتنفيذ الأوامر ومساعدة الآخرين.

أمّا بالنسبة للصفات الثانوية، فهذه الشخصية قادرة على الانخراط في علاقة عاطفية بسرعة، إذ إنّها لا تتمكّن من العيش والعمل بدون مساعدة أحد، وهي غير قادرة على اتّخاذ القرارت، وتَخاف من التعرّض للرفض والهَجر.

أمّا على صعيد التحليل النفسي، فتُظهِر هذه الشخصية نوعاً من الخوف اللاواعي من الحرّية لأنّها لا تعرف معنى الاستقلالية وأخذ المبادرات بدون تدخّل طرَف آخر، إذ إنّ قرارها كان دائماً بيَد غيرها.

الاستقلالية في الحياة

إن الاستقلالية تعني الحرية والمبادرة والإبداع كما أنها تعني المسؤولية، كلما كنت مستقلا في القيام بعمل ما، كنت مسؤولا عن جودته. لذا فإن تحرير إرادة الفرد وإطلاق قدراته على التعبير والمبادرة والفعل بمسؤولية ينطلق من تربيته على الحس بالاستقلالية في البيت وفي المدرسة. يجب إذن أن تشكل الاستقلالية هدفا محوريا للتربية، حيث ينبغي أن تمنح الأسرة والمدرسة فرصا للطفل ليتمرن على التدبير الذاتي لأموره، سواء على مستوى إدراكه لذاته ولمحيطه المادي والاجتماعي والسيكولوجي أو على مستوى الأسلوب الذي يختاره لنفسه في التواصل والتفاوض والتكيف مع هذا المحيط.

لا يمكن أن يستقيم الحس بالاستقلالية دون الحس بالحرية والمسؤولية. ذلك أن ‹‹الحرية هي جوهر الإنسان›› (سارتر)، كونها تمكن من الوعي بالأحكام النمطية والمعيارية السائدة التي يروج لها الوسط، والوعي بالعوائق الإبستيمولوجية (باشلار) التي تحد من الإدراك الحقيقي للذات والمحيط الاجتماعي والثقافي، وتحد من قدرات الفرد على المبادرة والتجديد. وبالتالي فإن الحرية سترفع من إبداعية الفرد لتجاوز إكراه وسطه والقيود التي يمكن أن تحد من طموحاته. كما أن الحس بالمسؤولية سيمكنه من اكتشاف ما هو مطلوب منه من جهد واستثمار لموارده مما يدعم تفتح شخصيته وإنمائها وإطلاق طاقاته وإمكانياته.

يقود الحس بالاستقلالية إذن إلى ثقة أكثر بالذات، والرفع من فعالية قدرات الفرد، واستعداد أكثر لمواجهة مخاوفه، وقابلية لفهم العالم الذي يعيش فيه، دون تبنى بالضرورة المواقف والقيم السائدة ودون التقييد المفرط بالمعايير التي يفرضها المحيط . وبالتالي لا يكون الإنسان المستقل في حاجة زائدة إلى إقرار واستحسان ورضا الآخرين، كونه يستعمل موارده الذاتية، وتلك المتوفرة في المحيط، بشكل جيد في بناء معارفه وقيمه ومواقفه. لذا فإنه مؤهل أكثر للانخراط بحيوية في تحسين وتطوير الوضعيات التي يوجد عليها، حيث من المفترض أن يحقق نجاحا أكثر على المستوى الدراسي والمهني ويبدي تكيفا جيدا على المستوى الشخصي.

فوق ذلك فإن الحس بالاستقلالية حاجة ذاتية، حيث أن الفرد في حاجة إلى التعبير عن أحاسيسه ووجهة نظره ورؤيته للأمور، وفي حاجة إلى قيادة مصيره بنفسه، وفي حاجة إلى امتلاك القدرة على التواصل وتقاسم ونقل بأصالة التجارب التي يعيشها في الحياة اليومية وإيصالها بأسلوبه الخاص إلى الآخرين في سياق عملية الانفتاح على الخارج. على هذا الأساس ظل الطفل منذ ولادته يحاول مقاومة الوصاية الزائدة التي يحاول الآباء فرضها عليه. إذ سعى مبكرا إلى محاولة انتزاع حقه في الاعتماد على نفسه عند تناول الطعام وعند محاولاته الأولى للوقوف على قدميه وعند المشي في الطريق، حيث يرفض بشدة القبض بيده. وقد تحمل الكثير من التأنيب والضرب والعقاب ليتمكن من ممارسة استقلاليته في تدبير أموره من خلال المحاولة والخطأ والإقدام والمجازفة الضرورية لأي تعلم، محفزا بالمتعة التي يجلبها من الإحساس بالقدرة على إنجاز ذلك، وبالطموح إلى تحقيق إنجازات أخرى بمفرده.

إن الحاجة إلى الاستقلالية ليست حاجة فردية فقط بل حاجة اجتماعية أيضا. ذلك أن المجتمع الذي يسعى إلى التطور والبقاء هو في حاجة إلى مساهمة أفراده باعتبارهم يمتلكون إمكانيات للفعل والتأثير. ويقتضي ذلك حرية واستقلالية أكثر لتحرير هذه الطاقات للنهوض بهذا الميكانيزم الاجتماعي الضخم. غير أن المفارقة التي يمكن ملاحظتها باستغراب، هي أنه رغم أن مجتمعنا يطمح إلى توسيع الإجماع على قيم ديموقراطية وتوسيع قطاعات الاقتصاد الحر، فإنه ما زال يرفض التربية على الاستقلالية على الأقل على مستوى الفعل والممارسة. ذلك أن الممارسة التربوية في مدارسنا يبدو أنها ما زالت بعيدة عن الاهتمام بهذا الجانب، رغم أن الحديث عن الاستقلالية في أدبياتنا التربوية قد ابتدأ منذ مدة. إذ أن البيداغوجية المعتمدة ما زالت تنهج، في غالب الأحيان، أساليب عتيقة تقوم على الامتثال والخضوع ورفض التعابير والأنشطة الذاتية، حيث تتمركز العملية التعليمية بكاملها على نقل معرفة مدرسية جاهزة بأسلوب تغلب عليه الخطابة والتلقين والترويض، حيت يرسخ التبعية لهيمنة أسلوب المدرس أو هيمنة البرنامج الذي يتقيد به الجميع. وعليه فإن قدرات التلميذ على الاستقلالية غير مطلوبة في المدرسة وحتى في المقاولة، كما لا يثمنها المحيط الاجتماعي والثقافي أيضا.

تنبني الاستقلالية على المنظور الإنساني للفرد/الإنسان، باعتباره مفكرا وفاعلا اجتماعيا وكائنا سيكولوجيا تواقا إلى الحرية، لذا وجب احترام طموحاته وأصالته وفردانيته وتاريخه الشخصي ومحدداته الذاتية. إن التربية على الاستقلالية سوف لا يكون لها أي مفعول ولا أي معنى إن لم تنطلق، وتهدف في نفس الوقت، إلى الوقوف والوعي بهذه المحددات الذاتية وخصوصيتها، كونها الأسس التي تبنى عليها هوية الفرد والقاعدة التي ينطلق منها للتفاعل والتفاوض والتموقع والفعل في المحيط بكل استقلالية. لذا من المفترض أن تروم التربية على الاستقلالية اكتشاف وتوضيح هذه المحددات الذاتية، عبر المعنى الذي يعطيه الفرد لتجاربه في احتكاكه بذاته ومحيطه والوعي الذي يتولد عن ذلك. ويرافق هذا الإجراء تمكينه من القدرة على التعبير الإبداعي لقيمه ومواقفه وقدراته، في أفق تحديد اختياراته ومصيره بكل استقلالية ومسؤولية. وبصيغة أدق إن الفرد في حاجة إلى بناء أفكار ومواقف متناغمة مع قيمه وحاجاته، أفكارا تتجسد في سيرورة وجوده في الاتجاه الذي يختاره لنفسه.

تقتضي التربية على الاستقلالية التأكيد على المواقف الإيجابية للفرد، التي تتعلق باختياره كيف يكون وكيف يتصرف ويتفاعل ويتموقع وكيف يصير. كل ذلك ينبغي أن يكون هدفا للتربية عوض التركيز على قيم تتعلق غالبا ب”الانضباط ” والأخلاق المعيارية ” التي يحددها المشرفون على هذا الضبط سواء في المدرسة أو خارجها. هذا من جهة أما من جهة أخرى فإنها تتعلق أيضا باختيار الأسلوب الذي يفسر به ما يدركه والذي يقتضي أن يمنح لإدراكاته معنى ودلالة متناغمة مع قيمه وحاجاته. يحتل إذن بناء مواقف إيجابية مكانة هامة في التربية على الاستقلالية لأن المواقف تشكل، إن صح القول، المكونات العاطفية للقدرات المعرفية التي من المفترض أن ينميها الفرد ويوضحها.

وخلاصة القول، لا يمكن أن تقوم التربية على الاستقلالية دون مساعدة من المحيط ومن المدرسة أساسا، حيث يتطلب من المدرسة أن تهيئ وضعيات وسياقات تسمح بتبني قيم تؤكد على المبادرة وعلى استثمار المحددات الذاتية، وتنمي لدى الطفل الفضول ألاكتشافي والفكر النقدي وتثمن أنشطته الذاتية، بما لها من دور محرك في بناء بنياته المعرفية والعاطفية والعلائقية التي ستمكن من إعداد إنسان منسجم مع ذاته ومفيد ونافع لها ولمجتمعه، عوض التأكيد المفرط على الطاعة والخضوع والتبعية والاتكالية التي تعد فردا سلبيا، يكون في حاجة دائمة للمساعدة والإسعاف والإنقاذ سواء في حياته الدراسية أو حياته الاجتماعية.

الاستقلالية الفكرية

يؤكِّد علماء النفس على أن أفضل طريقة للتربية، ورسم صورة حسنة، هي أن تكون أنت القدوة الحسنة، إذ لا يمكن أن تكون مديراً، تأتي للعمل متأخراً، ومن ثم تطالب موظفيك بالالتزام بالوقت المحدد، وينطبق هذا على كل شؤون الحياة، ومن واقع الحياة نرى العجب، ومن أمثلة ذلك ما يتم تداوله من قصص واقعية، لبعض أقطاب حركات الإسلام السياسي، التي تتعلق بنقد أمر ما، ثم ممارسة ذات الأمر! أي أنهم يبيحون لأنفسهم ما يحذّرون أتباعهم منه، وأذكر بهذا الخصوص قصة الاكتتاب في أحد البنوك قبل سنوات قليلة، فقد كانوا من أشرس الداعين لمقاطعته، ثم كانوا من أوائل المكتتبين فيه، والضحية هنا هم الأتباع، الذين تحسروا، بعدما اتضحت الحقائق، وعرفها الناس.

لا أحد يفهم كيف يستطيع محرِّض أن يقنع الناس بتحريضه، وهو لا يمارس ما يحث الناس عليه، والغريب أن معظم هؤلاء المحرضين هم أكثر الناس تناقضاً، والأشد غرابة، هو أن أتباع هؤلاء المحرضين يرون نوعية الحياة المرفهة التي يعيشها دعاة التحريض، والصور التي ينشرونها عن حفلات أعياد الميلاد لذويهم، وفخرهم بأبنائهم الذين يدرسون خارج الحدود، في بلاد الغرب، ومع ذلك فهم يسمعون لهم، وهم يهاجمون الابتعاث للخارج، بل يدافعون عنهم، وذات الناس المغرّر بهم، هم من يذهب لسماع محاضرة عن الصدق والأمانة، دون أن يسألوا أنفسهم عن مدى التزام المحاضر – ذاته- بهذه المفاهيم، إذ من الممكن أن يكون هذا المحاضر أبعد الناس عن الصدق والأمانة، ويظل السؤال المحير على الدوام: هل العتب هنا على دعاة التحريض أم على الناس التي تتبعهم؟!

ما زال الطريق طويلاً وشاقاً، فهؤلاء الناس الذين يستدرجهم دعاة التحريض هم ضحايا لفكر منحرف، تم غرسه على مدى عقود، فمن المسلّم به أن فكر الإسلام السياسي، يشبه الكهنوت من حيث التراتيبية، ووجوب الطاعة، إذ لا يستطيع التابع لهذا الفكر أن يخرج عن رأي من يرأسه، حتى ولو خالف العقيدة، وصحيح الدين، ولعلكم لاحظتم حفلات تقبيل الأيادي، وقص الأظافر، التي يمارسها أقطاب الإسلام السياسي مع بعضهم البعض، حسب التراتيبية، وإذا فهمنا هذا السلوك الكهنوتي، استطعنا أن نفهم مقدرة قادة الإسلام السياسي في المملكة على تطويع أتباعهم كيفما يشاؤون، لأن التابع هنا مجرد أداة في ماكينة كبيرة، لا حول له ولا قوة، وبما أن الفكر لا يمكن أن يواجه إلا بفكر، فربما تكون المناشط الاجتماعية هي المكان الأمثل لإعادة صياغة فكر الشباب، من خلال تنويع هذه المناشط، لتشمل مجمل قضايا الفكر والفلسفة، بدلاً من حصرها في مجال محدد، وما لم يتم ذلك، فإننا لن نستطيع القضاء على فكرة «التبعية»، والتي تعتبر بدورها عصب «الحرب» على فكر الإسلام السياسي، فهل نفعل؟!

كتب عن الاستقلالية

لتحميل الملف اضغط هنا

السابق
انجازات و اهداف مؤسسة ” تكاتف “
التالي
مبادئ الحياة

اترك تعليقاً