تنمية بشرية

ما هو مجتمع المعرفة ؟

لتنمية الشاملة أصبحت محط اهتمام الكثير من البلاد لأنها تساعدها على النهوض في شتى المجالات سواء التعليم أو الإقتصاد أو غير ذلك ،و تجعلها تستكمل مسيرة تقدمها ،و نهضتها ،و هذه التنمية تستند في الأساس على مجتمع المعرفة.

مجتمع المعرفة و مميزاته

مجتمع المعرفة: ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان بالعقل الذي يقود صاحبه إلى التميز ،و في حين اجتماع اكثر من عقل بشري من أجل تحقيق التميز في مجال ما يسمى هؤلاء بمجتمع المعرفة حيث يقصد به أنه المجتمع الذي يتكون من مجموعة من الناس الذين يمتازون بتقارب اهتماماتهم ،و يقوموا بجمع المعرفة اللازمة حول هذه الإهتمامات ،و خلال تجميعهم يقومون بأضافة ما لديهم من أفكار آي أنهم يضيفون معرفة إلى المعرفة التي حصلوا عليها ،و بالطبع المعرفة هي ما ينتج من عقل الإنسان نتيجة لعدة عمليات أهمها التعلم ،و التفكير ،و الإدراك ،و المعرفة تشكل المرحلة الأساسية التي يبنى عليها مختلف الأنشطة الأخرى سواء السياسية أو الإقتصادية و في العصر الذي نعيشه أصبحت المعرفة جزء هام جدا من رأس المال فهي مورد متجدد يساعد على التطور .

مميزات مجتمع المعرفة : من أهم ما يميز مجتمعات المعرفة أن المكون الأساسي لكافة الأنشطة لديهم سواء ان كان اقتصاد أو آي نشاط آخر هو المعرفة ،و بالتالي نجد أن المعرفة بالنسبة لهذه المجتمعات تحظى بمكانة هائلة ،و كأنها أهم من المواد الخام ،و بالطبع اصبح هناك ارتباط كبير بين تقدم المجتمعات ،و ما يملكونه من معرفة و ما يميزه أيضا أن لديه عدة مبادئ أهمها أن المعرفة حرة ،و متاحة للجميع يمكن الحصول عليها بشتى الوسائل ،و يؤمن كذلك بأن المعرفة من الضروري أن تبقى حرة أي لا تقتصر على شخص بعينه حتى تؤدي دورها و تنتقل لمختلف المجتمعات ،و بالإضافة لذلك يسعى لمناقشة وجهات النظر التي تعتقد أن حرية ،و مجانية المعرفة يؤدي إلى قتل الدوافع ،و الحوافز ،و من أهم ما يميز هذا المجتمع أيضا  أنه يشجع على العلماء ،و الباحثين على اجراء المزيد من الدراسات ،و يهيئ لهم طريقهم بتوفير ما يحتاجون إليه من بنية تحتية مثلاً كقاعة لعقد اجتماعاتهم ،و التقنيات الحديثة بمختلف أنواعها سواء الإنترنت أو الغرف الإلكترونية أو غير ذلك لأنه يريد أن يتوصلوا لمزيد من المعرفة .

ما هو مجتمع المعرفة ؟

هو أحد المجتمعات التي تمّ استحداثها في الآونة الأخيرة كأحد المتطلبات الرئيسية للتغيرات التي طرأت على المجتمعات المعاصرة، وكنتيجةٍ للتطور التكنولوجي، حيث لا يقتصر هذا المجتمع على هذا الجانب فقط، بل يشمل العنصر البشري، ويسعى إلى التنمية الشخصية، ويركز على الإبداع، ويدعم المشاركة في المعرفة، حيث يهدف إلى تطور المعلومات والمعارف وانتقالها بين الأجيال، كما يتطلب مجتمع المعرفة أو مجتمع المعلومات تحديداً (بالإنجليزية: information society) من الأشخاص أن يكونوا ملتزمين كمعرفين.

نشأة مجتمع المعرفة

نشأة مجتمع المعرفة وتطوّره: … المرحلة الأولى: مجتمع غني بالمعلومات (الفترة 1960-1979م) تعتبر هذه المرحلة الحاضنة المناسبة التي ترعرعت فبها البذرة الأولى لمجتمع مستحدث، والتي أسهمت فيما بعد بظهور مجتمع المعرفة، وأهم ما يميز هذه المرحلة بروز المعلومات والتقنيات الأوليّة لخزنها وتوظيفها وإنتاجها.

أهمية مجتمع المعرفة

بناء مجتمع المعرفة تضعه دول العالم ضمن أولويات خططها ومهامها التي تعدها للمسـتقبل لتخطو نحو التطور والتنمية بخطى ثابته تسـتند إلى أسس معرفية .. كما تقوم من خلال اتفاقيات الهدف منها تفعيل دور المعرفة في المجتمع تقوم بتحفيز أعمال وقدرات تلك المؤسسات العلمية .

أهداف مجتمع المعرفة

  1. إنشاء نموذج معرفيّ عامّ، بحيث يكون مُنفتحاً، ومُستنيراً، وأصيلاً.
  2. الاهتمام ببناء المقدرة الذاتيّة على البحث، والتطوير التكنولوجيّ في الأنشطة المجتمعيّة جميعها، وتوطين العلم.
  3. الاهتمام بحُرّيات التعبير، والرأي، وضمانها، حيث إنّ من شأنها أن تؤدّي إلى إنتاج المعرفة، ممّا يعني الإبداع، والتطوير، والابتكار التكنولوجيّ، وما إلى ذلك من أمور.
  4. الاهتمام بنشر التعليم الراقي بشكل كامل، مع الحرص على التعليم المستمرّ مدى الحياة، وإعطاء الأولويّة للتعليم في مرحلة الطفولة المُبكِّرة، وتحسين جودة التعليم في المراحل جميعها، بالإضافة إلى الاهتمام بتطوير التعليم العالي، كما لا بُدّ من تعميم التعليم الأساسيّ بحيث يكون مُتاحاً للجميع، مع زيادة الفترة الخاصّة به إلى عشرة صفوف كحدٍّ أدنى.
  5. الاهتمام بالتحوُّل إلى إنتاج المعرفة بشكلٍ حثيث في البيئة الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، وذلك عن طريق التنويع في الأسواق، والاعتماد على المعرفة الذاتيّة، والقدرات التكنولوجيّة، وتطوير الموارد القابلة للتجدُّد.

مميزات مجتمع المعرفة

لمجتمع المعرفة خصائص وجميعها تدور حول توظيف المعرفة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تميزة عن غيرة من المجتمعات الزراعية و الصناعية . كما يتسم مجتمع المعرفة بتعزيز وعي المواطنين بمفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان وضرورة اشتراكهم في عملية صنع القرار.

معوقات مجتمع المعرفة

بما انه توجد فواصل زمنية علمية وتكنلوجية تتسع بشكل دائم بين عالمنا المتأخر المتراجع وبين العالم الحديث يبقى استعداد مجتمعاتنا للدخول الى عالم المعرفة الحديث او الى مجتمع المعرفة الحديث بطيئا جدا ويحتاج الى عدة “زحزحات” او تجاوزات ترتبط في ثلاثية متداخلة مع بعضها تارة ومنفصلة عنها تارة اخرى وهي كالتالي:-
1) بعد الدولة: من خلال صيرورتها كجاهز ثقافي يجب تلقينه وتدريبه بشكل قسري يقود الى التماثل الاجتماعي والثقافي، وذلك الامر كثيرا ما ندركه لدى المجتمعات او الدول التي تتحد او تذوب نخبها السياسية في اطار الفرد الذي يمارس العزلة الحقيقية للمجتمع ويعمل على جموده وتأخره.
2) بعد الثقافة او المعرفة: وهنا نشير الى وجود المعرفة او الثقافة الجاهزة التي تبثها ايديولوجيا الدولة او المؤسسات الثقافية التي تجعل الزمن متلاشيا وغير حاضر في مجال التطور والتغيير، فمجتمع المعرفة الحديث تذوب فيه الازمنة وتتحد فيه المعارف داخل عملية صراعية تصل احيانا الى المقاطعة او الاحتراب على صعيد المستقبل كما يتصور ذلك الامر فرانسوا ليوتار (الوضع ما بعد الحداثي .. تقرير عن المعرفة/ جان فرانسوا ليوتار/ دار شرقيات للنشر والتوزيع/ الطبعة الاولى 1994/ القاهرة/ ص 28) وبعد المعرفة في العالم العربي غائب من حيث الاهتمام بثقافة الكتاب او بثقافة استخدام التكنلوجيا بشكل مناسب، وما موجود اليوم لا يتعدى الدخول الى “هامشية” التكنلوجيا من خلال الاجهزة الحديثة للاتصال، اي ان الحداثة الجاهزة تكنلوجيا وصلت الينا بطريقة غير فاعلة في تطوير حياتنا وتغيرها بشكل ايجابي، فالحاسوب “ الكومبيوتر” آلة لتفريغ الكبت والتسلية والمتعة بشكل نسبي الى حد كبير، كذلك الحال مع اجهزة الاتصال والاعلام المرئي عبر القنوات الفضائية وغيرها، لايوجد هنالك ما يساعد اعادة النظر بالمعرفة الجاهزة والتقليدية والدخول معها في حوار واعادة انتاج جديد، كل ذلك نجده في طبيعة المرأة التي ما تزال بعيدة بشكل نسبي الى حد كبير عن مجالات العمل والحركة والحرية، وكذلك التعليم الذي ما يزال مرتبطا بالجاهز الاجتماعي والثقافي الذي تعمل الدولة على تسيسه وربطه بايديولوجيتها.
3) البعد الثالث والمهم متعلق بالمجتمع ذاته وهنا نقول كما اسلفنا ان هذه الابعاد مرتبطة فيما بينها تارة ومنفصلة تارة اخرى، فبعد المجتمع في العالم العربي مكون في عدة اشكال تنتمي الى مجال القبيلة والطائفة والمدينة، وهذه الاشكال تكاد ان تشترك في بعد المعرفة الاقصائي او الرافض للمختلف او الجديد، في الاولى نجد القوقعة داخل قيم القبيلة والعشيرة وعدها بالمطلق الذي يجب تقديسه، منهج المعرفة اكتسابي عن الطريق السلف او الاقدم، وكذلك الحال مع الطائفة التي تفضل خياراتها على بقية الخيارات الاخرى معرفة وثقافة وسلوك، كل ذلك يقود الى الانغلاق ورؤية العالم في صورة واحدة لا غير، واخيرا لدينا المدينة العربية، فهذه ايضا تعاني من هيمنة الشموليات بشكل نسبي مع جميع الرؤى الكبرى والافكار النهائية الى تحد من تطور المعرفة والانسان بشكل عام، عبر جهاز الدولة والمؤسسات الثقافية بشكل نسبي وليس مطلقا.

مجتمع المعرفة وتحدياته في العالم العربي

يعتبر مصطلح ” مجتمع المعرفة ” من المصطلحات الجديدة، التي ظهرت في غضون التحولات العلمية والفكرية والتكنولوجية والسياسية، التي بدأ يشهدها راهن الإنسانية انطلاقا من العشرية الأخيرة من القرن المنصرم، كمصطلحات العولمة والسوق الحرة والنظام العالمي الجديد والثورة الرقمية وحوار أو صدام الثقافات وغيرها، وعلى مستوى المفهوم يتخذ هذا المصطلح اتجاهين: أولهما عادي، يطلق على جماعة من الناس تجمع بينهم اهتمامات فكرية أو أدبية أو علمية أو سياسية موحدة، فيتكتلون في مجتمعات معرفية مصغرة، يجمعون فيها ما توصلوا إليه من معارف ومعلومات وإنجازات وغير ذلك. أما ثانيهما، فهو أوسع وأعمق، حيث يشكل محورا أساسيا لدى العديد من الأطروحات السياسية والدراسات المستقبلية المتخصصة.
ومن جهة أخرى، يشهد العالم مرحلة إعادة اعتبار للثقافة من زاوية استراتيجيات المستقبل، خاصة وأنّ التطورات الجارية تبشّر بمستقبل جديد على مستوى الإنجاز المادي والتقدم التكنولوجي، ومراكز البث الإلكتروني، وبرامج التنفيذ في مجالات الإدارة والعمل الوظيفي. فلقد أصبح مصطلح ثورة المعلومات ومجتمع المعرفة ومجتمع الحاسوب ومجتمع ما بعد الصناعة ومجتمع ما بعد الحداثة، ومجتمع اقتصاد المعرفة والمجتمع الرقمي وغيرها من المصطلحات، المميز الرئيسي لحقبة تاريخية هامة من تاريخ البشرية.
إنّ مجتمع المعرفة هو ذلك المجتمع الذي يحسن استعمال المعرفة في تسيير أموره وفي اتخاذ القرارات السليمة والرشيدة، وكذلك هو ذلك المجتمع الذي ينتج المعلومة لمعرفة خلفيات وأبعاد الأمور بمختلف أنواعها. وقد أفضت الثورة المعرفية إلى مجتمع المعرفة الذي أصبح يعتمد – أساسا – على المعارف كثروة أساسية، أي على خبرة الموارد البشرية وكفائتها ومعارفها ومهاراتها كأساس للتنمية الإنسانية الشاملة.
إنّ مجتمع المعرفة، بوضعه المعرفة في قلب المعادلات على اختلاف أنواعها ” يشكل فرصة تاريخية نادرة ونقلة نوعية فريدة تجعل من المعرفة أساس السلطان والكسب والجاه “، كما أنّ مجتمع المعرفة ” يضع الإنسان كفاعل أساسي، إذ هو معين الإبداع الفكري والمعرفي والمادي، كما أنه الغاية المرجوة من التنمية البشرية كعضو فاعل يؤثر ويتأثر ويبدع لنفسه ولغيره ” من خلال شبكات التبادل والتخاطب والتفاعل. وهكذا يتبين أنّ المعادلة الاقتصادية الجديدة ” لا تعتمد أساسا على وفرة الموارد الطبيعية ولا على وفرة الموارد المالية، بل على المعرفة والكفاءات والمهارات، أي على العلم والابتكار والتجديد “.
خصائص مجتمع المعرفة
يعيش العالم انفجارا معرفيا غير مسبوق، بحيث يندر أن يمر يوم دون أن تحمل لنا المجلات المتخصصة أنباء عن اكتشافات واختراعات جديدة. ففي مجال الإلكترونيات، على سبيل المثال، تتوالى المكتشفات، بحيث أصبح التراكم المعرفي يتزايد بمتوالية هندسية ويتضاعف كل 18 شهرا. وتشير المعطيات إلى أنّ البشرية قد راكمت، في العقدين الأخيرين، من المعارف مقدار ما راكمته طوال آلاف السنين السابقة التي شكّلت التاريخ الحضاري للإنسانية.
وغالبا ما تكون التكنولوجيا الأحدث أحسن أداء وأرخص سعرا وأصغر حجما وأخف وزنا وأكثر تقدما وتعقيدا من سابقتها، كما أنّ المعرفة والمعلومات اللازمة لإنتاجها أكثر كثافة وتتطلب ارتفاعا متزايدا للقدرات البشرية من علماء ومطورين وتقنيين. كما أصبح التنافس في الوقت والعمل في الزمن الحقيقي في كل مواقع العمل والخدمات، التي تعمل بلا توقف لتلبية احتياجات المستهلكين في جميع أنحاء العالم، هو السمة الأبرز للإنتاج.
وعلى صعيد آخر، تغيّرت طبيعة الوظيفة والعمل عما كان عليه الحال في عصر الصناعة. فالجامعة الافتراضية والعيادة التي تقدم الاستشارات والعلاج عن بعد، والتجارة الإلكترونية، والعمل في المنزل، غيرت المفهوم التقليدي للعمل والوظيفة.
الأبعاد المختلفة لمجتمع المعرفة
أصبح لمجتمع المعرفة أبعاد مختلفة ومتشابكة يجب استغلالها كما ينبغي حتى لا نبقى نعيش على هامش المجتمع الدولي، ومن أهم هذه الأبعاد ما يلي:
(1) – البعد الاقتصادي، إذ تعتبر المعلومة في مجتمع المعرفة هي السلعة أو الخدمة الرئيسية والمصدر الأساسي للقيمة المضافة وخلق فرص العمل وترشيد الاقتصاد، وهذا يعني أنّ المجتمع الذي ينتج المعلومة ويستعملها في مختلف شرايين اقتصاده ونشاطاته المختلفة هو المجتمع الذي يستطيع أن ينافس ويفرض نفسه.
(2) – البعد التكنولوجي، إذ أنّ مجتمع المعرفة يعني انتشار وسيادة تكنولوجيا المعلومات وتطبيقها في مختلف مجالات الحياة، في المصنع أو المزرعة والمكتب والمدرسة والبيت… الخ. وهذا يعني ضرورة الاهتمام بالوسائط الإعلامية والمعلوماتية وتكييفها وتطويعها حسب الظروف الموضوعية لكل مجتمع، سواء فيما يتعلق بالعتاد أو البرمجيات، كما يعني البعد التكنولوجي لثورة المعلومات توفير البنية اللازمة من وسائل اتصال وتكنولوجيا الاتصالات وجعلها في متناول الجميع.
(3) – البعد الاجتماعي، إذ يعني مجتمع المعرفة سيادة درجة معينة من الثقافة المعلوماتية في المجتمع، وزيادة مستوى الوعي بتكنولوجيا المعلومات، وأهمية المعلومة ودورها في الحياة اليومية للإنسان. والمجتمع هنا مطالب بتوفير الوسائط والمعلومات الضرورية من حيث الكم والكيف ومعدل التجدد وسرعة التطوير للفرد.
إنّ التغيير سيطال أسس العمل نفسها، ذلك أنّ العمل في أي حقل كان سيتوقف على إدارة المعلومات والتصرف بها عبر الأدمغة الاصطناعية ووسائل الإعلامية. ولذا شهدنا ولادة فاعل بشري جديد هو الإنسان الرقمي الذي ينتمي إلى عمال المعرفة ( ذوي الياقات البيضاء ) الذين يردمون الهوة بين العمل الذهني والعمل اليدوي، إذ لا فاعلية في العمل من غير معرفة قوامها الاختصاص والقدرة على قراءة رموز الشاشات، مما طرح إطارا مفهوميا جديدا هو ” العمالة المعرفية “.
(4) – البعد الثقافي، إذ يعني مجتمع المعرفة إعطاء أهمية معتبرة للمعلومة والمعرفة، والاهتمام بالقدرات الإبداعية للأشخاص، وتوفير إمكانية حرية التفكير والإبداع، والعدالة في توزيع العلم والمعرفة والخدمات بين الطبقات المختلفة في المجتمع، كما يعني نشر الوعي والثقافة في الحياة اليومية للفرد والمؤسسة والمجتمع ككل.
إنّ مجتمع المعرفة لا يقتصر على إنتاج المعلومة وتداولها، وإنما يحتاج إلى ثقافة تقيّم وتحترم من ينتج هذه المعلومة ويستغلها في المجال الصحيح، مما يتطلب إيجاد محيط ثقافي واجتماعي وسياسي يؤمن بالمعرفة ودورها في الحياة اليومية للمجتمع.
إنّ أشدَّ ما يقلق البعض في القضايا التي يثيرها مجتمع المعرفة هو ما لها من آثار على الهوية والخصوصيات الثقافية، وهو قلق له ما يبرره في ظل ما نراه من محاولات قوى الهيمنة الاقتصادية تنميط سلوكيات البشر وثقافتهم في المجتمعات كافة وإخضاعها لنظام قيم وأنماط سلوك سائدة في مجتمعات استهلاكية، إذ يحمل فيض الأفكار والمعلومات والصور والقيم القادمة إلى كثير من المجتمعات إمكانية تفجّر أزمة الهوية، التي أصبحت من المسائل الرئيسية التي تواجه التفكير الإنساني على المستوى العالمي. وفي سياق هذه الأزمة تنبعث العصبيات القبلية والطائفية والمذهبية والقومية الضيقة، وتزداد الرغبة في البحث عن الجذور وحماية الخصوصية.
ويبدو أنّ هاجس الخصوصية الثقافية هو نفسه هاجس الأصالة والمعاصرة معا، إذ يخطئ من يعتقد أنّ حماية الذات الثقافية تكمن في عزلها عن العالم الخارجي وحمايتها من مؤثرات الثقافة الكونية. فغني عن التوكيد أنّ الذات الثقافية المطلوب حمايتها من الاغتراب هي ثقافة الإبداع وليس الاستهلاك، ثقافة التغيير الشامل وليس ثقافة الجمود والاحتماء بالسلف الصالح، ثقافة الوحدة القومية بأفقها الإنساني الحضاري لا ثقافة الأجزاء المفككة التي يعتبر كل منها أنه بديل للأمة.
على أنّ بعض الدراسات تحاول التركيز على تاريخية ونسبية الهوية وعدم الإقرار بثباتها، مما يجعلها مرنة قد تتعايش أو تقتبس من ثقافات أخرى، بل قد تساعدها عوامل التقارب وسقوط الحواجز على تفاعل إيجابي وخلاق مع مجتمع المعرفة. لذلك، قد يكون السؤال ليس كيف نقاوم ثقافة مجتمع المعرفة ونحمي أنفسنا منها، ولكن كيف نعيش عالمنا الراهن بواقعية ودون تناقضات وتأزم وبلا إحساس بعقدة نقص أو خوف. كما أنّ بعض المقاربات ترى أنّ هذه الثقافة لا تهدد الهوية بالفناء أو التذويب، بل تعيد تشكيلها أو حتى تطويرها لتتكيّف مع الحاضر، فالإنسان يتجه نحو إمكانية أن يعيش بهويات متعددة، دون أن يفقد أصالته القومية.
ولا يفارق الوعي بالحقائق، الموصوفة أعلاه، منطق المساءلة الذي يضع لوازم ثقافة مجتمع المعرفة موضع البحث، كاشفا عن إمكاناتها واحتمالاتها المتعارضة، لا من المنظور الذي يرى بعدا واحدا من الظاهرة، وإنما من المنظور الذي يلمح التناقض داخل الظاهرة نفسها، ومن ثم يكشف عن إمكانات أن تنقلب بعض الوسائل على غاياتها الأولية، فتؤدي وظائف مغايرة ومناقضة في حالات دالة. فلا شك في أنّ ثورة المعلومات وتقدم تقنيات الاتصال، الملازمة لمجتمع المعرفة، يمكن أن تؤدي إلى نقيض الهيمنة لو تمَّ توظيفها بعيدا عن الاستغلال، ومن ثم إدراكها وإخضاعها لشروط مغايرة من علاقات الاعتماد المتبادل للتنوع البشري الخلاق.
(5) – البعد السياسي، إذ يعني مجتمع المعرفة إشراك الجماهير في اتخاذ القرارات بطريقة رشيدة وعقلانية، أي مبنية على استعمال المعلومة، وهذا بطبيعة الحال لا يحدث إلا بتوفير حرية تداول المعلومات، وتوفير مناخ سياسي مبني على الديمقراطية والعدالة والمساواة، وإقحام الجماهير في عملية اتخاذ القرار والمشاركة السياسية الفعالة.
دور التعليم في مجتمع المعرفة
أمام الثورة العلمية والتكنولوجية الهائلة التي تصاحب مجتمع المعرفة لابد من توفّر نظام تعليمي يحقق الجودة، ويمنح الفرصة للحصول على خبرات تعليمية تلبي الاحتياجات الآنية والمستقبلية لدفع عجلة التنمية الإنسانية الشاملة. فلم يعد كافيا أن يعتمد التعليم على نقل الخبرة من المعلمين إلى الأجيال القادمة، لأنّ المستقبل يحمل الكثير من التحديات‏،‏ لذلك من الضروري أن نسلّح أبناءنا بالقدرات التي تمكّنهم من التعامل مع مشاكل وسيناريوهات لم نعاصرها ولم نتعامل معها ولم نتخيل إمكانية حدوثها‏.‏
لقد تغيّر مفهوم التعليم تغيّرا جذريا وشاملا في هذه الحقبة الزمنية التي تظللها ثقافة مجتمع المعرفة وتسيطر عليها آثار الثورة التكنولوجية والمعلوماتية، ‏حيث أصبحت المعرفة الكلية بديلا عن الاختزال‏،‏ وأصبح التعليم لا يرتبط بالمدرسة وفترة التلمذة فحسب،‏ ولكنه تعليم مستمر يسمح بحق الاختيار وحرية الاختلاف.‏ وحيث أصبح التعليم هو المحرك الأساسي لمنظومة التنمية الاجتماعية الشاملة‏،‏ وهو الوسيلة الفاعلة لتمكين الإنسان من الخبرات والقدرات ولإيجاد فرص العمل المتاحة في الإنتاج كثيف المعرفة.‏
وإن كان هذا يعني شيئا فإنه يعني أنّ مجتمع المعرفة يرتبط بمفهوم مجتمع التعليم الذي يتيح كل شيء فيه فرصا للفرد ليتعلم ليعرف‏،‏ ويتعلم ليعمل‏،‏ ويتعلم ليعيش مع الآخرين،‏ ويتعلم لتحقيق ذاته‏.‏ وكل ذلك يتطلب ضرورة وجود شريحة عريضة من المجتمع على مستوى تعليمي عالٍ ومتطور وقادر على الإبداع والابتكار،‏ وهذا يمثل تحديا لنظم التعليم في مختلف المجتمعات‏،‏ ويلقي عليها مسؤولية سرعة تطوير نفسها بحيث تصبح مجتمعات منتجة للمعرفة‏.
فمثلا، شرعت تايوان منذ عدة سنوات في ما يمكن وصفه بمشروع رائد لتوفير التعليم للجميع من دون اشتراطات مسبقة تتعلق بالسن أو بالمستويين الأكاديمي والوظيفي، وذلك ليس فقط لأنّ التعليم حق أساسي للجميع ووسيلة من وسائل الاستنارة والإبداع والتواصل الإنساني مثلما قررت منظمة اليونيسكو، وإنما أيضا من منطلق أنّ إزالة العقبات التقليدية وغير التقليدية من أمام الساعين إلى رفع مستوياتهم الأكاديمية أو الباحثين عن مجالات عمل جديدة أو الراغبين في تحديث معلوماتهم في مجالات تخصصهم أمر يعود على البلاد بمنافع عظيمة، وبما يجعل تايوان صنوا للأمم الكبيرة في هذا العصر المتسم بثورة الاتصالات وصناعة المعرفة كمحددين رئيسيين للنجاح والتفوق.

مفهوم مجتمع المعرفة pdf

لتحميل الملف اضغط هنا

 

 

السابق
كيف تؤثر في الآخرين بطريقة إيجابية ؟
التالي
ما هي أهمية التعاون للفرد و المجتمع ؟

اترك تعليقاً