تنمية بشرية

أهداف الحوار

تعريف الحوار

الحوار هو تبادل الكلام شفهياً بين شخصين أو أكثر، ويعرّف أيضاً بـ”المحادثة”،أمّا فنّ الحوار فهو مهارة ضرورية لتخطّي العديد من الأمور التي تواجهنا في الحياة؛ حيث يمكن من خلالها توسيع الدائرة الاجتماعية، وتسهيل البدء بالأعمال المختلفة، والنهوض في الحياة العملية، ومن خلاله يتم التواصل مع أصحاب العمل، والموظفين.

مقدمة عن الحوار

خلق الله تعالى الإنسان، وكرّمه عن باقي المخلوقات، وميّزه بالعقل والإرادة، وعليه يكون جزاؤه في الآخرة، وجعل الإنسان ذكراً وأنثى، واستخلفه في الأرض لعِمارَتِها، وتكوين مجتمعاتٍ يسودها العدل والخير، ولتحقيق ذلك كان لا بُدّ من تعارف البشر وتعايُشِهم معاً، يقول الله عزَّ وجلَّ : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)؛ فلا يمكن أن يُعمِّر الإنسان الأرض ويُنشِىء المجتمعات إلّا عن طريق تفاعُله الإيجابيّ مع الآخرين، ومن الأساليب الفعَّالة في بناء العلاقات بين البشر الحوار.

أنواع الحوار

  1. المجادلة: وتكون صفتها مذمومة، لحدوثها بين متخاصمين، أمّا الحوار الهادف يكون صفة إيجابية.
  2. المناظرة: هي عبارة عن قدرته على امتلاك كل الأدلة والحقائق؛ من أجل إقناع المحاور وإثبات صدق ما يقوله.
  3. المناقشة: ويكون دورها الأساسي هو التقرب من الأفكار الصحيحة والابتعاد عن الأفكار الخاطئة وتكون بين شخصين أو أكثر.

أهداف الحوار

للحوار أهداف مختلفة؛ فهو إما أن يكون وسيلة لتنفيس أزمة أو لمنع انفجارها؛ أو أن يكون سعياً لاستباق وقوع الأزمة ولمنع تَكوّن أسبابها؛ وإما أن يكون محاولة لحل أزمة قائمة أو لاحتواء مضاعفاتها، أو للتعرف على الآخر وآراؤه، والوقوف على أوجه التشابه والاختلاف سعياً لتفاعل معه بإيجابية.

     ومن أهداف الحوار :  ” تعريف الآخر على وجهة نظرٍ لا يعرفها, ومحاولة إقناعه – بالتي هي أحسن – بموقفٍ ينكره أو يتنكر له, وهو أمر يشكل في حدّ ذاته أحد أهم عناصر الاحتكاك الفكري والتكامل الثقافي والتدافع الحضاري بين الناس.

     ودون ذلك يركد الذهن, ويفقد التعطشُ إلى المعرفة، عُودَ الثقاب الذي يلهبه، وتتحول مساحات الفكر إلى بحيرات آسِنة. فالاختلاف بين الناس, وما ينتج عنه الاختلاف من تَدافعٍ؛ هو أحد أهم موجبات صلاح الأرض وعدم فسادها. وهناك فوارق كثيرة بين علاقة الإرادة وعلاقة الفرض.

     فالعلاقة الأولى ( الإرادة ) هي نتيجة حوارٍ وثمرةُ تفاهم، وهي بالتالي فعل إرادي تَحقق والاحترام والثقة.

     أما العلاقة الثانية ( الفرض ) فهي حالةُ تَنكّرٍ لحق الآخر, وتَجاهلٍ لتمايزاته وخصائصه؛ وتجاوُز للحوار كوسيلة لفهمه وللتفاهم معه, وهي بالتالي حالة مفروضة؛ وكل ما هو مفروض مرفوض من حيث المبدأ والأساس، ولذلك فإنها لا تحقق سوى البغضاء والكراهية وعدم الثقة”.

     ولذلك فإن حوار الحضارات ” لم يعد ترفاً فكرياً يختص به العلماء والأكاديميون ورجال الفكر المولعون بدراسة التاريخ والحضارة، بل إنه أصبح مدخلاً أساسياً لكل معالجة جادة للمجتمعات المختلفة ولفهم حركة التطور والتغيير التي يشهدها العالم كما أنه شأن من شؤون السياسة والفكر والنضال حتى على مستوى المواطن العادي وما نشهده من أزمات سياسية واجتماعية وفكرية واقتصادية في العالم الذي نعيش فيه ، إنما مردها إلى العوامل المعطلة للحوار الحضاري بين الشعوب والأمم المختلفة.

      والهدف من الحوار من المنظور الإسلامي فهو استكشاف واستثمار قيم وأخلاقيات موحدة تصلح للارتكاز عليها للتعايش السلمي بين الدول والشعوب وخاصة بين المسلمين وبين أتباع الديانات المختلفة . ولا يشمل ” اللقاء بين أناس من ثقافات مختلفة لتبادل الآراء والمفاهيم وإنما يجب أن ينطوي أيضاً على التشخيص، أي تشخيص كل شخص للآخر باعتباره إنساناً قبل كل شيء، وبغض النظر عن الثقافة التي ينتمي إليها كل منهما ” والحوار هو البحث عن نقاط الالتقاء والتوافق والتراضي، فيرى البعض أن الحوار في سياقه الأصلي، لا يشير فقط، كما هو شائع، إلى حديث يجري بين شخصين، بل مشاركة في حديث له طابع جدالي أساساً: حديث يدور بين شخصين أو أكثر، ويفترض أن تكون الغاية منه، هي البحث عن نقاط الالتقاء والتوافق والتراضي. هو السير سوياً، في طريق التعقل والفهم والتفهم والتفاهم.

وقد سبق جبرائيل موريس بورمانس بهذا القول عن أهداف الحوار بأنه ” يهدف إلى تعزيز التعارف بين الجميع وجعلهم يتعمقون في عقيدتهم وتراثهم الديني، وإلى تنشيط التماسهم لمشيئة الله وحدها، ورجوع كل منهم إلى الرب الذي يخاطبه، ويغفر له، ويغير ما فيه إلى الأفضل. فلا يسوغ إذن، على الإطلاق، أن تكون غاية الحوار سعي المحاور إلى اجتذاب الآخر إلى دينه بأي ثمن، أو حمله على الشك في الإيمان الذي يتغذى به. بل على العكس، يعتزم المؤمنون، في ” تنافس روحي ” وتسابق مقدس، حيث “يستبقون الخيرات”( القرآن 5، 48)، أن يتعاونوا على” استباق أنفسهم”، فيصيروا خيراً مما هم عليه، في سياق ما دعاهم الله إليه، ليزدادوا قرباً منه، ويزيدوا من وزن الخير في العالم” .

وهذا المنطق الأخير لبورمانس لا يقبل به المحاور المسلم خاصة وأن القرآن الكريم قد عدّ هذه الأمة هي أمة الخيرية ” كُنْتُمْ َخْيرَ أُمَةٍ أُخْرجَتْ للنَّاس تَأْمُرونَ بالمَعْرُوف وَتَنْهَونَ عَنْ المُنْكَر ” آل عمران :110 .فالحوار هو من أهم وسائل الدعوة إلى الإسلام، والمحاور المسلم يظهر مبادئ الإسلام وفضائله ويوضح لمحاوره بأن الإسلام هو دين الله الذي لايقبل الله من العباد غيره، وأن الهدف الرئيس للمحاور إيضاح ما أعد الله للمؤمنين به من عظيم الأجر وحسن المثوبة، وما توعد به الكافرين من أليم عذابه وعقابه. والهداية إلى الإسلام, وهو مقصد لا ينفك أيضاً عن المحاور المسلم, لأنه يحب للآخرين ما يحب لنفسه ويرفض الأنانية، فالهدى جاء في النص القرآني كمرادف للقرآن والإسلام قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ) الفتح: 28، وإظهار هذا المقصد للطرف الآخر ليس مطلباً ضرورياً لإنجاح الحوار, فقد يكون من مصلحة الحوار أن لا تُظهر هذا المقصد لمخالفك, وذلك حين يكون إظهاره مؤدياً للانصراف عن الحوار, لأي سبب من الأسباب، بل لعل ترك ذلك يعد من الحكمة التي أمر الله تعالى نبيه بانتهاجها في الدعوة إليه، كما أن اختيار الظرف الأنسب لإيضاح هذا المقصد للمخالف أو ترك إيضاحه, مما أوكله الله تعالى لحكمة المحاور وحسن تقديره, وهذا ما يجده المتأمل في الآية الكريمة:( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل: 125.

     كما يجب أن تشمل أهداف الحوار تغطية المساحات التي يمكن أن نشترك ونتفق عليها، وأن تركز أكثر في المساحات التي نتفق فيها، وأن لا يأخذ الحوار شكلاً مظهرياً في صورة يقدمها المتحاورون إلى العالم بأنهم يسعون إلى الحوار لتقليل الفجوة بين المختلفين.

شروط الحوار

  1. الاحترام من أفضل الصفات والأخلاق التي يمكن أن يتصف بها المرء، وهو أساس التعامل بين الناس.
  2. تحديد الموضوع الرئيس للحوار والهدف منه، مما يساعد في كسب الوقت من أجل الوصول إلى النتيجة المرادة من الحوار.
  3. الموضوعية في الحوار، حيث يتم الحوار على أساس الموضوع وليس بناءً على الشخص المحاور أو شخصيته، كما يجب عليه تجنب الكذب، والتوثيق العلمي والبعد عن الميول.
  4. استخدام لغة واضحة مفهومة وقوية.
  5. يجب أن يكون الحوار هادف، والغرض منه التوصل إلى الحقائق.
  6. مناقشة أصل الموضوع قبل الخوض في فروعه.
  7. الاتفاق على أصل المرجع والمصدر حسب الموضوع، كالقرآن والسنة النبوية، الأبحاث العلمية وغيرها.
  8. التزم الهدوء وضبط النفس.
  9. حسن الاستماع وعدم الاستعجال في الرد، فالمستمع الجيد محاور جيد.
  10. اختيار المكان والزمان والشخص المناسب.

فوائد الحوار

الحوار أو المجادلة بالتي هي أحسن، من الطرق المثمرة في التعامل مع من نختلف معه من البشر. لكنّ فريقا من الناس يشكك في جدوى الحوار، ويعتقد أنها إضاعة للوقت فقط، فهل هذا الكلام صحيح؟
من خلال التجربة التي مررت بها في الحوار وجدت أن للحوار فوائد عديدة، ومن أهمها: أنها تصقل شخصية الإنسان، وتجعله قادرا على التعامل مع من يختلف معه وعنه، بعيدا عن أي حساسيات يحملها في صدره أو عقله. كما أنه يزيد من أفق المحاور وثقافته. ومن أهم الثمرات أن الحوار يزيل رواسب الأحكام المسبقة التي تركد في الأذهان والعقول. ومن خلال الحوار يتعلم الإنسان حسن الاستماع والإنصات للآخر، وهي صفة حميدة. كما يتعلم حسن التعبير عن ذاته ومعتقده من خلال التركيز على الأهم، مع مراعاة الاختصار.
الجلوس على طاولة الحوار يعني الاعتراف بوجود الآخر، وهي خطوة مهمة في طريق العيش المشترك والوئام. كما أنه اعتراف بالاختلاف مع الآخر، وهذه خطوة أخرى. فيكون السؤال: كيف أعيش مع هذا المختلف؟ بدل أن كان كيف أقضي عليه أو ألغيه؟ ومن خلال الحوار يعبّر كل طرف عن نفسه بنفسه؛ ليزيل الجهالة عن نفسه ومعتقده وفكره، فهو يعرض نفسه كما يحبّ أن يُرى ويظهر للآخرين، وهذا من أبسط حقوقه.
من خلال الحوار يتعرف كل طرف على الآخر عن قرب، ويتم تحديد المشتركات للتفاهم حولها والتواصل فيها والعمل المشترك عليها، لتكون قاسما مشتركا يجمع الأطراف المختلفة. وسيجد كل طرف مساحات واسعة عند الطرف الآخر للعمل المشترك، ومثال ذلك: القدس والقضية الفلسطينية تجمع كل الأردنيين من شتى الأصول والمنابت والأديان والطوائف.
ويتم من خلال الحوار تحديد المشكلات التي يعاني منها كل طرف، ويطرح الحلول التي يراها من جانبه، ويدخل في مناقشة الطرف الآخر، ويسمع وجهة نظره، للوصول إلى حلول لتلك المشكلات ترضي جميع الأطراف. فليس الحوار لفرض إرادة طرف على طرف، بل هو وسيلة للتعاون والتفكير بصوت مسموع ومشترك.
من خلال ما سبق نجد أن الحوار يبني جسور الثقة المتبادلة بين الأطراف، مما يشيع ويعزز السلم الأهلي والمجتمعي، ويصل بالمجتمع إلى أعلى درجات الوئام.

وظائف الحوار

  1.  تطوير القصة ودفعها للأمام :يمكن استخدام الحوار التفسيرى في تطوير القصة story advancement . فمثلا لو أن فيلماً قصته تتناول فيروساً هاجم الأرض من الفضاء الخارجى ، لن يستطيع المتفرج أن يفهم من خلال الصورة فقط ، إلا إذا تم الشرح من خلال شخصية عالم فى الفيلم ،وغالباً ما يكون الحوار التفسيرى مكثفاً فى بداية الأفلام ، وذلك لشرح الفكرة الأساسية فى القصة ، أو شرح الأحداث التى ستؤدى للصراع ، أو إعطاء نبذة عن تاريخ البطل . فمثلاً فى فيلم Lust For Life ، لخص نورمان كورين Norman Corwin تاريخ الفشل المتكرر لفان جوخ حين حاول الإنضمام للخدمة التبشيرية ، قبل أن يصبح فناناً مشهوراً . ففى بداية المشهد ، تم تعريف المتفرج بأنه رُفض قبول طلبه من المجلس فى حوار استمر دقيقتين ، ولكنه عبر عن عشر سنين من الفشل ،ويخدم الحوار التفسيرى عدداً من الأهداف الأخرى . فهو يُستخدم لشرح تحركات لشخصيات ليست موجودة فى المشهد مثلاً ، أو وصف أماكن وأزمان وأحداث أخرى ، ولكن عادة ما يصاحب ذلك القطع إلى لقطة خارج الكادر ، أو لقطة رجوع للماضى .
  2. تطوير وتنمية الشخصية :تنمية الشخصية character development هى الوظيفة الثانية من وظائف الحوار . وإلى أن يتكلم الممثل ، لن يعرف المتفرج كيف يتفاعل مع شخصيته ، اتجاهاته ، مستواه الوظيفى والتعليمى والإجتماعى . ويكون ذلك مهماً خاصة للرجال ، حيث أن المظهر الخارجى لا يكون بنفس ذات الأهمية كما هو بالنسبة للمرأة . لذا فإكتشاف مواصفاته تكون من خلال أفعاله والحوار . فالحوار والتفاعل مع شخصيات القصة يكشف عن نوع الشخصية الموجودة واتجاه تطورها فى الفيلم ،يكشف الحوار أيضاً عن الحالة الشعورية والمحتوى العاطفى الذى تشعر به الشخصية فى أى موقع من الفيلم . فالمبالغة والتكلف فى التعبير العاطفى الذى اُستخدم فى مرحلة الأفلام الصامتة ، لم يعد له مكان مقارنة بفصاحة وبلاغة التعبيرات فى الأفلام الناطقة . فالكلمة الواحدة قد تعبر عن الكثير من المشاعر، وتشرح العلاقات بين الشخصيات , وهوية الشخصية ، وماذا تريد ، وأين موقعها واتجاهها فى الفيلم الدرامى . إن الحالة العاطفية هى التى تتحكم فى الحوار . فحين تكون الشخصية سعيدة ، تتكلم بمرح وبهجة . وحين تكون حزينة ، تتكلم ببطء وتردد ، أما حين تكون غاضبة ، فتتكلم بشكل متقطع وبسرعة ، وهكذا .
  3. الإضحاك :يعتبر الإضحاك من خلال الحوار الوظيفة الثالثة فى الدراما . ورغم صعوبة كتابة حوار يتمتع بقدر من المرح إلا أنه يكون ضرورياً في كثير من الأحيان للتقليل من توتر المتفرج . فلو أن هناك فيلماً طويلاً يشتمل على درجة عالية من الإثارة ، دون أن يكون هناك بعض المرح من حين لآخر لإراحة المتفرج ، سيزداد توتره إلى درجة قد تجعله يضحك في مشهد للبطل وهو يُهاجم بسكين ، أو مشهد لرجل وامرأة فى حالة حب . فهو يبحث في هذه الحالة بنفسه عن طريقة لتقليل توتره .
  4.  التتابع : يمكن التأكيد على التتابع Continuity من خلال الحوار . يمكن إعادة كلمة رئيسية مثلاً أو جملة معينة فى الحوار المباشر بين شخصية وأخرى ، لترك أثر معين فى نفس المتفرج ، وبعث فيه درجة من الإثارة ، وللتأكيد على تلك الكلمة الرئيسية.

أسس الحوار في الإسلام

كان من أبرز الإشكاليَّات التي ظهرتْ في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م على مستوى الإعلام الغربيِّ، وحتى على مستوى فهم الغربيِّين للإسلام، هي الإشكاليَّة الخاصَّة بموقف الإسلام من الآخر، وكيفيَّة تعامُل الإسلام والمسلم مع العقائد والدِّيانات الأخرى، ومع الآخر غير المسلم، وكيف يتم التَّفاعُل بين الجانبَيْن، على مختلف المستويات، بما في ذلك الإطار الحضاريِّ العام للتَّفاعُل.

وحتى بعيدًا عن الجانب السِّياسيِّ الذي تُمثِّله هذه الإشكاليَّة، تُعدُّ قضيَّة العلاقات الإنسانيَّة والاتِّصال بين الجماعات البشريَّة المختلفة، بمثابة إحدى أهمِّ النَّواميس أو القوانين التي وضعها الله سبحانه وتعالى في كَوْنِهِ؛ حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].

وفي هذه الآية، حدَّد ربُّ العزَّة سبحانه وتعالى الإطار العام الذي يجب أنْ يحكُمَ العلاقات فيما بين الجماعات البشريَّة المختلفة، على تباين واختلاف ألوانها وألسنتها، وأيضًا دينها، وأوضح في هذه الآية الكريمة أنَّ التعارف والتَّكامُل والتَّعاوُن هو الأساس الذي تقوم عليه العلاقات الإنسانيَّة بمختلف أشكالها؛ علاقة الفرد بالفرد وعلاقة الفرد بالجماعة وعلاقة الجماعة بالفرد، وكذلك العلاقة بين الجماعات البشريَّة والأمم المختلفة.
الحوار أسس الإيمان ..
وكمبدأ عامٍ، فإنَّه يمكن القول إنَّ الحوار الإيجابيِّ القائم على أساس ِالاحترام المُتبادَلِ، هو أحد أُسُسِ الإيمان وشُعَبِه، التي قال عنها الرَّسول الكريم مُحمَّدٌ “صلَّى الله عليه وسلَّم” إنَّها بضعٌ وسبعون شعبةٌ، باعتبار أنَّ الاحترام وأخلاقيَّات الحوار، جزءٌ من مكارم الأخلاق التي بعث النبيُّ “صلَّى الله عليه وسلَّم” لإتمامها.. يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: “إنَّما بعثتُ لأتمِّمَ مكارِمَ الأخلاق” [رواه مالك].

ويعدُّ الحوار هو أعلى مظاهر العلاقة ما بين طرفَيْن، وأكثر وسائل التَّفاعُل ما بينهما فاعليَّةٍ؛ حيث هو الوسيلة الأكثر فاعليَّةٍ لكي يؤثِّر أحد الطرفَيْن في الآخر، ولذلك جاءت الكثير من الآيات القرآنيَّة الكريمة، سواءٌ تلك التي تحمل أحكامًا أو تروي واقعةً ما في التاريخ الإنسانيِّ وتاريخ الأنبياء والمُرسلين؛ لأخد العبرة والعظة منها، في صورة حوارٍ.

ويقول الباحث المغربيُّ الدُّكتور محمد السِّلوانيُّ في كتابه “فقه الحوار الإسلاميِّ والواقع المعاصر”: إنَّ الحوار كان مركزَ كل الموضوعات والقضايا في الإسلام، وتطرَّق لجميع القضايا بتنوُّعها، وإنَّه دار بين الله عز وجلَّ وخيار الخلق مثل الملائكة والأنبياء والمُرسلين، وبين الخالق سبحانه وأسوأ الخلق، وهو إبليس الرَّجيم؛ ليُظْهِرَ أنَّه لا حاجز ولا عائق في الحوار يحول دون وقوعه.

وفي هذا الإطار، تُحاول هذه الورقة مُناقشة أسس وقواعد الحوار في الإسلام وموقف الإسلام من الآخر وكيف يتعامل معه، مع الرَّد على بعض الشُّبُهات الباطلة التي خرج علينا بها الإعلام الغربيُّ والصهيونيُّ في السَّنوات الأخيرة.

أهداف الحوار بين الحضارات

اللّقاء بين الحضارات و الثّقافات: انّ هذا المصطلح سبيل من سبل التّقارب بين الحضارات ذلك لانّ التّقارب بينها أمر ممكن لأن الحضارات مهما تعدّدت و اختلفت فانّها في الأصل قد تأثرت ببعضها، و أخذت عن بعضها لأنّه ليس هناك حضارة معزولة عن الأخري، و لا يمكن أن تُنعت بكونها حضارةً الّا عند لقائها بالحضارات الأخري، ذلك أنّ أيّ حضارة مَاسواء البائدة منها أو الباقية علي قيد الحياة ليست شيئا ساكنا أو جامدا و انّما هي كيانات متحرّكة و تظهر حركيتها في مدي قدرتها علي الاستجابة الي التّغيّرات الحاصلة أو التي ستحصل في العالم و خاصّة في هذا العصر الذي بلغت فيه بعض الحضارات قمّة التّقدّم في مختلف المجالات. و لكنّ الحاجة اليه اليوم أصبحت أكثر الحاحا من ذي قبل، انّ الأفراد الذين يعيشون في خوف مفتقدين فهم الثّقافات الأخري أقرب الي اللّجوء لأفعال الكراهية و العنف و التّدمير ضدّ «عدوّ» متخيّل، أمّا أولئك الذين يتعرّضون لثقافات الآخرين و يتأثّرون بها أو يعرفونها خلال الاتّصال الذي يعبر الانقسامات الثّقافية، فهم أقرب الي رؤية التّنوّع بوصفه قوّة كما أنّهم أقرب الي الاحتفال به بوصفه نعمة» و هذا الهدف لا يتحقّق في نظره الّا بالتّسليم بأنّ هناك قيما عامّة تشترك فيها الانسانيّة عبرالقرون، و الأمم المتّحدة نفسها تاسّست علي الايمان بأنّ الحوار يمكن أن ينتصر علي النّزاع، و أنّ التّنوّع نعمة نحتفي بها، و أنّ أمم العالم تتّحد بانسانيتها أكثر و استجابة لهذه الفكرة الدّاعية الي ضرورة تكريس الحوار بين الحضارات عُقدت ندوات موازية في الغرض،

السابق
تاريخ شارع الشيخ زايد
التالي
ما أنواع النماذج التي تستخدم لنمذجة الطقس

اترك تعليقاً