تنمية بشرية

مفهوم محاسبة النفس

كان قد أمر الله جل شأنه الإنسان بضرورة محاسبة نفسه ، وكبح جماحها فالمعروف أن النفس البشرية في بعض الأحيان قد توسوس للإنسان بل أنها قد تستطيع من خلال وسوستها له إقناعه بفعل ، وعمل المعاصي ، و الذنوب ، ولكن عند ما يعرف الإنسان أنه كلما أجتهد في محاسبة نفسه على أي عمل يقوم به أستراح وأطمأن من محاسبة الله عز وجل في الأخرة .

مفهوم محاسبة النفس

هو مفهوم يعني القيام بتصفية وتنقية النفس البشرية من ذنوبها ومعاصيها ، وذلك حتى تلقى الله جل شأنه خالية من المعاصي والأثام ، حيث أنه لابد للشخص العاقل أن يقوم بتخصيص وقتاً يومياً يقوم به بالاختلاء بنفسه ليحاسبها عما قدمت في ذلك اليوم من أعمال أو من ذنوب فإذا كانت الأعمال الصالحة قام بزيادتها و التأكيد عليها في أيامه القادمة إلى المولى عز وجل منها وأستغفره بل ، و عاهد ربه ألا يرجع لها مرة ثانية ، فمن المعروف أن إهمال الإنسان لمتابعة أعماله ولحساب نفسه سيؤدي به إلى التمادي في الذنوب والأثام ، حيث كان السلف الصالح من أكثر أولئك الناس الذين لا يفوتون مناسبة أو فرصة لمحاسبة أنفسهم وتذكيرها بالله عز وجل وبحسابه يوم القيامة ، و لعل قول الله عز وجل من أبرز الدلائل على ضرورة قيام الإنسان بمحاسبة نفسه ومراقبتها ، وذلك في قوله تعالى ( بل الإنسان على بصيرة ) ، فلو أستطاع أن يكون بصيراً على نفسه محاسباً لها قبل أن يحاسب يوم القيامة لنجأ وأستطاع الفوز برضوان الله عز وجل عليه .

محاسبة النفس في الإسلام

هو مفهوم يعني القيام بتصفية وتنقية النفس البشرية من ذنوبها ومعاصيها، حيث إنه لابد للشخص العاقل أن يقوم بتخصيص وقتاً يومياً يقوم به بالاختلاء بنفسه ليحاسبها عما قدمت في ذلك اليوم من أعمال أو من ذنوب، فمن المعروف أن إهمال الإنسان لمتابعة أعماله ولحساب نفسه سيؤدي به إلى التمادي في الذنوب والآثام، ولعل قول الله عز وجل من أبرز الدلائل على ضرورة قيام الإنسان بمحاسبة نفسه ومراقبتها، وذلك في قوله تعالى Ra bracket.png بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ Aya-14.png La bracket.png، فلو استطاع أن يكون بصيراً على نفسه محاسباً لها قبل أن يحاسب يوم القيامة لنجا واستطاع الفوز برضوان الله عز وجل عليه.

فوائد محاسبة النفس

:- يوجد العديد من الفوائد لقيام الإنسان بمحاسبة نفسه ، ومنها :-

أولاً : – تمكنه من الإكثار من فعل الطاعات والأعمال الصالحة والابتعاد عن المعاصي والذنوب .

ثانياً :- القيام بالإطلاع ، وذلك بشكلاً دائماً على عيوب النفس ، ومن ثم كبح جماحها ، وعدم السماح لها بالتحكم بالإنسان ، وبتصرفاته ، وبالتالي منعها من التمكن منه وإيقاعه بالمعاصي .

ثالثاً :- معرفة حق الله تعالى على الإنسان ، و الحرص الشديد منه على القيام به وأدائه .

رابعاً :- وجود الاستعداد الدائم لدى الإنسان للموت ، وما سيأتي بعده ، حيث أن الفرد المسلم الذي يقوم بالمداومة على محاسبة نفسه فإنه بذلك سوف يتمكن من الإقلال من معاصيه ، وذنوبه بل يقوم بالتوبة منها ، ويزيد من الطاعات والأعمال الصالحة ، و التي تسهل عليه المحاسبة بعد موته ، مما سيخلق لديه الشعور بعدم الخوف من الموت ، ولقاء الله عز وجل .

خامساً :- تمكن الفرد من مشاهدة عفو الله وكرمه وحلمه الشديد على الإنسان في عدم التعجيل بالعقوبات رغماً عن كل ما يقوم به من ذنوب أو معاصي .

سادساً :- جعلها للإنسان وبشكل دائم مداوماً وحريصاً على القيام بإعادة الحقوق إلى أهلها وعدم أخذ ما ليس له علاوة على أنه سوف يحاول باستمرار القيام بتصحيح ما فات من أجل تقليل أثامه وذنوبه .

سابعاً :- تمكن الإنسان من التخلص من الكبر والغرور الذاتي لديه وذلك بعد إطلاعه على عيوب نفسه .

ثامناً :– تعظيم المولى عز وجل ، حيث أن مفهوم محاسبة النفس هو ذلك المفهوم الذي يدعو الإنسان إلى استشعار عظمة حق الله تعالى عليه .

تاسعاً :- شعور الفرد بالانكسار والذل إلى الله جل شأنه وعدم التعنت أو التعصب للنفس علاوة على تمكن الفرد من مبدأ الزهد في الحياة الدنيا وما فيها من متع وشهوات ورغبات .

كيفية محاسبة النفس

أولاً :– استعانته بالله عز وجل والدعاء الدائم إليه .

ثانياً :– الإكثار من الذكر والقيام بتلاوة القرآن الكريم وقيام الليل والإكثار من الطاعات .

ثالثاً :- إدراك الفرد لثمرة المحاسبة للنفس في الدنيا والأخرة والتفكر في العاقبة السيئة في حالة الغفلة عنها .

رابعاً :- الإكثار من الإطلاع على أهل المحاسبة من السلف الصالح .

خامساً :– التفكر الدائم من جانب الفرد لشئون وأحوال الدنيا وما يحدث فيها من شئون تدل على عدم أهميتها مما سيجعله مع الوقت شديد الارتباط بالأخرة وبالتالي سيكون حريصاً على العمل الصالح .

آثار محاسبة النفس

عدم محاسبة النفس تسهل على العبد الوقوع في المعاصي؛ حيث إن محاسبة النفس تجعله يندم على فعله المعصية، وإذا ندم أوشك ألا يعملها مرة أخرى، أما إذا لم يأبه للمعصية ولم يحاسب نفسه فإنه من سهل أن يقع فيها أو في معصية غيرها مرة أخرى.

خطبة محاسبة النفس

الحمد لله يُولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، سخَّر الشمس والقمر كلٌّ يجري لأجلٍ مسمًّى ألا هو العزيز الغفار، أحمده سبحانه وهو الواحد القهار، والصلاة والسلام على خير البرية محمد المصطفى المختار القائل صلى الله عليه وسلم: «ما لي وللدنيا؟ إنما أنا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها»، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار، ما تعاقب الليل والنهار.

أما بعد:

فيا عباد الله، أُوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأن نُقدِّم لأنفسنا أعمالًا صالحة مباركة تُبيض وجوهنا يوم نلقاه ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]. ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [آل عمران: 106]. ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30]. ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التغابن: 9]، اللهم ارحَم وقوفنا بين يديك، ووفِّقنا لعمل صالح يقرِّبنا إليك.

عباد الله، إن هذه الشمسَ التي تطلع كلَّ يوم من مشرقها وتغرب من مغربها، تَحمِل أعظمَ الاعتبار، فطلوعُها ثم غيابُها إيذانٌ بأن هذه الدنيا ليست دارَ قرار، وإنما طلوعٌ وزوال.

انظر إلى هذه الشهور، تهل فيها الأهلَّة صغيرةً كما يولَد الأطفال، ثم تنمو رويدًا رويدًا كما تنمو الأجسام، حتى إذا تكامل نموُّها أخذت في النقص والاضمحلال، وهكذا عمر الإنسان. فما أسرع مرور الأيام والشهور والأعوام، وفي ذلك عبرةً للمعتبرين وذكرى للمتذكرين، وآياتٌ للمستبصرين، سنوات تمضي على العباد، وأيام وشهور تنقضي من الأعمار، والعاقل من اغتنم حياته بالطاعات وعمره بالحسنات. وما أنت يا بن آدم إلا أيام إذا ذهب يومك ذهب بعضك، وسيأتي اليوم الذي يودعنا فيه أهلنا وتنتهي أعمارنا، فاللهم أحسن ختامنا يا رب العالمين.

عباد الله، بين كل حينٍ وآخر، بين كل فترةٍ وفترة ينبغي للمسلم أن يحاسب نفسه على ما قدَّم وأخَّر، ودعونا نقف مع أنفسنا وقفة محاسبة قبل هجوم هادم اللذات؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47].

أيها المسلمون، إن الله سيحاسبنا على كل شيء على الصغير والكبير والفتيل والقطمير؛ قال تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].

أصحاب القلوب السليمة والعقول الواعية عرَفوا أن الله لهم بالمرصاد، فعرفوا أنه لن يُنجِّيهم إلا لزوم المحاسبة ومُطالبة النفس، ومحاسبتها على الأنفاس والحركات؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 19]، نَسُواْ اللَّهَ، ونسوا أوامرَه، وتقلَّبوا في نعمه مع الغفلة والإعراض عن شرعه، فَأَنسَـاهُمْ أَنفُسَهُمْ فلم يصلحوها، ولم ينقذوها من عذاب الله، فكانوا من الغافلين؛ قال عمر الفاروق رضي الله عنه: «أيها الناس حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالَكم قبل أن تُوزَن عليكم، وتهيَّؤوا للعرض الأكبر: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18]، فحاسبوا أنفسكم في أقوالكم؛ فإنّ اللهَ يقول: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].

وحاسبوا أنفسكم على أفعالكم؛ فإن الله يقول: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، ويقول تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 – 12]، وحاسبوا أنفسَكم في نواياكم وما يعتلجُ في صدوركم، فإن الله تعالى يقول: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284].

وقال الحسن البصري رحمه الله: «من حاسَب نفسه قبل أن يُحاسب، خفَّ في يوم القيامة حسابه، وحضَر عند السؤال جوابه، وحَسُن مُنقلبه ومآبه، ومن لم يُحاسب نفسه دامت حسراته، وطالتْ في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقْت سيئاته، وأكيس الناس من دان نفسه وحاسَبها وعاتَبها، وعمِل لِما بعد الموت، واشتغل بعيوبه وإصلاحها».

عباد الله، إن هذه الحياة التي نُمضيها ليست بمغفولٍ عنها، بل كلُّ أعمالنا مَحصاة علينا، أقوالنا وأفعالنا، ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المجادلة: 6]، سنُسأل يوم القيامة عن أعمارنا وأموالنا وعلمنا وشبابنا؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره: فيم أفناه؟ وعن علمه: ماذا عمل فيه؟ وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه: فيم أبلاه).

فعمرك طال أم قصُر أنت مسؤول عنه يوم القيامة، فيم قضيته هل في طاعة الله ورسول أم في لهوٍ وسهوٍ وغفلةٍ؟ هذا المال الذي نسعى لجمعه وكنزه ليلًا ونهارًا، سنُسأل عنه يوم القيامة: من أين أتى المال؟ هل أتى ببيع وشراء واكتساب سليم، أم أتى بغش وخيانة واغتصاب وسرقة وظلم للعباد؟ أهلك وأولادك ستُسأل عنهم؛ قال صلى الله عليه وسلم-: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهل بيته راع ومسؤول عن رعيته)؛ رواه البخاري.

عباد الله، بداية المحاسبة أن يقيس العبد ويوازن بين نعم الله عليه من عافية وأمن وستر وغنى، وبين ذنوبه، فحينئذٍ يظهر التفاوت، فيعلم العبد أن ليس له إلا عفو الله ورحمته أو الهلاك. وبهذه المقايسة والمحاسبة يعلم العبد أن الرب ربٌّ بكرمه وعفوه وجبروته وعظمته، وأن العبد عبد بذله وضَعفه وفقره وعجزه، وأن كل نعمة من الله فضل.

قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم: 32]، وكلما عرَف الإنسان ربَّه حقَّ المعرفة، عرَف أن ما معه من البضاعة والطاعة مهما عظُمت وكبرت وزادت، لا تساوي شيئًا، ولو جاء بعمل الثَّقلين؛ لأنه أمام ربٍّ سريع الحساب، ولو خرج من بطن أمه ساجدًا الى يوم يموت، لم يؤدِّ شكر نعمة العينين.

قال الحسن البصري رحمه الله: ﴿ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة: 2]: هي نفس المؤمن لا تلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه، ويقول: ماذا أردت بكلمتي ماذا أردت بأكلتي، والفاجر يمضي قُدمًا لا يعاتب نفسه».

عباد الله، على المؤمن أن يحاسب نفسه، فالطاعة والفروض رأس المال والمعاصي هي الخسائر، والنوافل هي الأرباح، وليعلم أن كل نَفَس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة يمكن أن يشتري بها كنزًا من كنوز الآخرة.

فإذا أصبح العبد وفرغ من صلاة الصبح، ينبغي أن يُفرِّغ قلبه ساعة، فيقول لنفسه: «ما لي بضاعة إلا العمر، ولو توفاني الله لكنتُ أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يومًا حتى أعمل صالحًا»، ومن ثَم ينوي فعل الخيرات ليكون من الرابحين.

اللهم أجرنا من النار، واجعلنا من أهل الجنة يا رب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخُطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فعبد الله، حاسب نفسَك قبل أي عملٍ تقوم به، هل هو لله أم لدنيا أم لشهوة؟ هل هو حلال أم حرام؟ فإن كان لله فاستعنْ بالله، ثم حاسِب نفسك أثناء العمل وأخلِص النية.

وأخيرًا، حاسِب نفسَك بعد العمل ألا يخالطه عُجب ولا رياء، ثم استغفر من كل نقص. ومن فوائد محاسبة النفس أنها تُذكِّر الإنسان، وتبعث فيه الاستعداد للقاء الله تعالى الذي سوف يكون بين يديه الحساب.

أخي الحبيب، حاسِب نفسك لتعرِفَ رصيدك من الخير والشر، حقوق الله هل وفَّيتَها؟ حقوق العباد هل أدَّيتَها؟ ما حالك مع الصلاة هل تؤديها بشروطها وأركانها؟ ما حالك مع صلاة الفجر؟ ما حالك مع والديك وأرحامك؟ ما حالك مع كتاب الله؟ أتتلوه آناء الليل وأطراف النهار؟ أم تهجره أيامًا وأيامًا؟ ما حالك مع النوافل والمستحبات، فهي علامة الإيمان وطريق محبة الرحمن؟ يقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 16 – 18]؛ يقول الحسن البصري رحمه الله في هذه الآيات: «يا بن آدم، بُسطَتْ لك صحيفتك، ووكِّل بك ملكان، أحدهما عن اليمين، والآخر عن الشمال، فصاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتُب السيئات، فاعمَل ما شئت أقلِل أو أكثر، فإذا مِتَّ طُويتْ صحيفتُك حتى يوم القيامة، فيقال لك: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا»، ثم قال: «عدلٌ والله من جعلك حسيب نفسك».

عبد الله، اجلس مع نفسك وحاسِبها، وقل لها: يا نفس، أتعلمين أن كل من يلتفت إلى ملاذِّ الدنيا ويأنس بها، فمصيره الموت، يا نفس أو ما تنظرين إلى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا ثم ذهبوا، أما ترينهم كيف يجمعون ما لا يأكلون، ويبنون ما لا يسكنون، ويُؤملون ما لا يُدركون، ويحكِ يا نفس، أما تستحين من الله، تزينين ظاهرك للخلق، وتبارزين الله في السر بالعظائم، يا نفس بأي بدنٍ تقفين بين يدي الله؟ وبأي لسان تجيبين؟ فأعدي للسؤال جوابًا وللجواب صوابًا.

أخي: حاسب نفسك لنفسك وأخلِص تخلص، فالناقد بصير..

عباد الله:

صلوا وسلِّموا على سيد البشرية محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك، فقال في كتابه الكريم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.

محاسبة النفس عند الصحابة

إن أولئك القوم ارتبطت قلوبهم بالله، فكانوا أجسادا في الأرض وقلوبا في السماء، وما إن يحصل من أحدهم تقصير أو زلة إلا ويسارع في معالجة خطئه، ومعاقبة نفسه على ذلك، حتى لا تكاد تأمره إلا بخير. ولعلنا نقتصر هنا على بعض النقولات العجلى عن أولئك النفر الكرام لعلها تحرك القلوب، وتشحذ النفوس، وتسهم في تربية المسلم لنفسه تربية جادة .

* عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : سمعت عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يوما وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته يقول – وبيني وبينه جدار «عمر !! أمير المؤمنين !! بخ بخ، والله بُنَيَّ الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك» (الزهد للإمام أحمد.

* وجاء رجل يشكو إلى عمر وهو مشغول فقال له : (أتتركون الخليفة حين يكون فارغا حتى إذا شغل بأمر المسلمين أتيتموه) ؟ وضربه بالدرة، فانصرف الرجل حزينا، فتذكر عمر أنه ظلمه، فدعا به وأعطاه الدرة، وقال له : «اضربني كما ضربتك» فأبى الرجل وقال : تركت حقي لله ولك ، فقال عمر : «إما أن تتركه لله فقط، وإما أن تأخذ حقك» فقال الرجل : تركته لله ، فانصرف عمر إلى منزله فصلى ركعتين ثم جلس يقول لنفسه : «يا ابن الخطاب، كنت وضيعا فرفعك الله، وضالا فهداك الله، وضعيفا فأعزك الله، وجعلك خليفة فأتي رجل يستعين بك على دفع الظلم فظلمته ؟!! ما تقول لربك غدا إذا أتيته ؟ وظل يحاسب نفسه حتى أشفق الناس عليه» (مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب) لابن الجوزي.

*وقال إبراهيم التيمي :  «مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، قلت لنفسي : يا نفس، أي شيء تريدين ؟ فقالت : أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً ! قلت : فأنت في الأمنية فاعملي» (الزهد للإمام أحمد.

*وحكى صاحب للأحنف بن قيس قال : كنت أصحبه فكان عامة صلاته بالليل، وكان يجيء إلى المصباح فيضع إصبعه فيه حتى يحس بالنار ثم يقول لنفسه : (يا حنيف ! ما حملك على ما صنعت يوم كذا ؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟) (ذم الهوى.

* وكان عمر بن عبد العزيز شديد المحاسبة لنفسه قليل الكلام، وكان يقول : (إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة) (سير أعلام النبلاء للذهبي.

* ونقل عن ابن الصمة : أنه جلس يوماً ليحاسب نفسه فعد عمره فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي واحد وعشرون ألفا وخمسمائة يوم، فصرخ وقال : (يا ويلتي ! ألقي الملك بواحد وعشرين ألف ذنب ! فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب) ؟!! ثم خر فإذا هو ميت !!

فسمعوا قائلا يقول : يا لك ركضةٌ إلى الفردوس الأعلى .

يقول الغزالي معلقاً على هذه القصة : (فهكذا ينبغي أن يحاسب (العبد) نفسه على الأنفاس، وعلى معصيته بالقلب والجوارح في كل ساعة ، ولو رمى العبد بكل معصية حجراً في داره لامتلأت داره في مدة يسيرة قريبة من عمره، ولكنه يتساهل في حفظ المعاصي، والملكان يحفظان عليه ذلك “أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ” [المجادلة:6] (الإحياء) .

* وقال عبد الله بن قيس : (كنا في غزاة لنا فحضر العدو، فَصِيح في الناس فقاموا إلى المصاف في يوم شديد الريح، وإذا رجل أمامي وهو يخاطب نفسه ويقول : “أي نفسي ! ألم أشهد مشهد كذا فقلت لي : أهلك وعيالك ؟!! فأطعتك ورجعت ! ألم أشهد مشهد كذا فقلت لي : أهلك وعيالك ؟!! فأطعتك ورجعت ! والله لأعرضنك اليوم على الله أخذك أو تركك ، فقلت : لأرمقنك اليوم، فرمقته فحمل الناس على عدوهم فكان في أوائلهم، ثم إن العدو حمل على الناس فانكشفوا (أي هربوا) فكان في موضعه، حتى انكشفوا مرات وهو ثابت يقاتل، فوالله ما زال ذلك به حتى رأيته صريعاً، فعددت به وبدابته ستين أو أكثر من ستين طعنة)

محاسبة النفس pdf

لتحميل الملف اضغط هنا

 

 

السابق
The Ideal Method To Save Individuals From Suicide
التالي
Un guide des jeux de machines à sous lucky31.fr en ligne

اترك تعليقاً