تنمية بشرية

السلطة الابوية

السلطة الابوية

في كل مجتمع ؛ تنتشر العديد من المعاني والمفاهيم والمصطلحات التي تحمل قدر كبير من الغموض والتي لا يتمكن الكثيرين وخصوصًا الأجيال الجديدة من فهمها ؛ في حين أن العديد من تلك المصطلحات أصبحت من أساسيات المجتمع ومن العادات والتقاليد التي تتوارثها الأجيال جيلًا بعد جيل دون أن يكون لها أساس ديني أو أخلاقي صحيح ، ومن أبرز تلك المصطلحات هي البطريركية أو السلطة الأبوية .

مصطلح السلطة الأبوية

إن السلطة الأبوية أو كما تُعرف باسم البطريركية الأبوية والذكورية هي عبارة عن مفهوم قد توارد إلى جميع الدول العربية منذ القدم عبر الوافدين إليه من بعض الأقطار الأخرى والمنتمين إلى ما يسمى بالتيار النسوي ، وهما عبارة عن مجموعة من الأشخاص يؤمنون إيمانًا تامًا بأن الرجل هو فقط من له الحق في الحياة وفي إصدار الأوامر والتعليمات وأن المرأة ما هي إلا مخلوق خاضع له فقط وضعيف ومسلوب الرأي والإرادة .

ومن المؤسف أن تلك الأفكار الضالة قد تغلغلت بشكل كبير بين ربوع البلدان العربية حتى تأصلت وتمكنت من أفكار أبناء الوطن ، وعلى الرغم أن الدين الإسلامي قد دحض تلك المفاهيم المتخلفة ؛ إلا أن صداها لا زال مسموعًا إلى يومنا هذا في الكثير من البلدان العربية التي تسلب المرأة حقها في التعبير عن الرأي والحصول على الإرث وعلى المشاركة الاجتماعية والعملية أيضًا .

نظام السلطة الأبوية

نظام أبوي أو نظام بطريركي أو بطريركية (بالإنجليزية: Patriarchy) هو نظام اجتماعي يمتلك فيه الرجال السلطات الأساسية في المجتمع، من ضمنها السلطات السياسية والأخلاقية والقانونية، مما ينتج عنه إمتيازات عديدة للرجل وسيطرة على حقوق الملكية. في الحقل الأسري، يتحكم الآباء (أو شخصية-الأب) في النساء والأطفال، ويفرضون سيطرتهم عليهم. تاريخيًا، تمثل النظام الأبوي في العديد من المؤسسات الاجتماعية والقانونية والسياسية والاقتصادية والدينية.

هذه البنية الإجتماعية التي تضع الرجال في مكان أعلى من النساء وغير معرفي النوع الإجتماعي، تسئ إلى كل الأطراف. ومن أشكال إساءة النظام الأبوي للذكور هي تجريم ورفض كل ما هو أنثوي أو كل ما يتعارض مع الصورة النمطية الجندرية للرجال وإعتبار أن بكاء الرجل ما هو إلا ضعف ومهانة. أما بالنسبة للنساء فيعد النظام الأبوي هو مقنن القوانين العرفية والعادات والتقاليد التي تحط من قيمة النساء كبشر كاملات الأهلية وصاحبات قرارتهن ومقررات لمصائرهن.

البطريركية الذكورية

البطريركية الذكورية هو التوصيف المتعارف عليه للسلطة الأبوية ، وهي ينص على مجموعة من الأفكار الرجعية التي تمتد في رقعة كاحلة جرداء من الضلال والتخلف بعيدًا تمامًا عن ثمار العقل والحكمة والفضيلة ، وهي :

-الرجل فقط هو المتحكم الأول في مصير كل من حوله سواء الزوجة أو الأبناء والبنات ، وهو فقط الذي يمتلك الحق في التعبير عن رأيه في أي وقت من خلال سلطة وهيمنة مُطلقة لا يُراجعه بها أحد .

-تهدف البطريركية إلى أن تكون سيكولوجية فكرية تطغى على كل أبناء المجتمع ويؤمن بها كافة أفراده ؛ وبالتالي تُصبح جزءًا من العادات والتقاليد ومن يشذ عنها أو يُعلن ثورته عليها يكون منبوذًا من الجميع بحجة أنه يُريد أن يُغير أعراف المجتمع ؛ على الرغم من أنها أعراف وهمية مزعومة ما أنزل الله بها من سلطان ، ومن المؤسف أن تلك الأفكار بالفعل قد تأصلت في المجتمعات العربية وأصبحت جزء من سيكولوجية وتكوين أبنائها من الرجال ومن النساء أيضًا .

-يرى أنصار البطريركية أن المرأة عبارة عن سلعة رائجة لا ثمن لها ، وهي عنصر لإشباع الرغبات فقط ، ويُذكر أنه في العصور القديمة التي شهدت تلك الأفكار المتخلفة كانت المرأة تٌعامل كما لو كانت ليست عنصرًا بشريًا بشكل متدني الأخلاق .

-كما أن تلك الأفكار بطبيعة الحال تقضي تمامًا في حق المرأة في الحصول على النسب أو الإرث أو التعليم أو العمل أو المشاركة في الحياة بأي وجه .

-ومن الأفكار المغلوطة التي باتت متأصلة في المجتمع أن مصطلح التحضر ورفع مستوى الثقافة للمرأة مرتبطًا بالتبرج والابتعاد عن تعاليم الدين وتقاليد المجتمع ؛ في حين أن رفع مستوى ثقافة ووعي المرأة هو صحيح الدين وما دعى إليه الإسلام ولا علاقة له بأي حال من الأحوال بالتبرج واتباع عادات وتقاليد الشعوب الأخرى التي تنتمي إلى ديانات أخرى .

-وفي ضوء التأثير المفرط فيه لمفهوم البطريركية الذكورية والتنشئة للأجيال المتعاقبة ؛ أصبحت الكثيرات من النساء مقتنعة تمامًا بسطوة الرجل عليها ومقتنعة أيضًا بأنها مسلوبة الإرادة ولا حق لها في تقرير مصير حياتها بنفسها ، ويُعد هذا التأثير أح أسوأ مظاهر انتشار البطريركية الأبوية والذكورية في المجتمع .

السلطة الأبوية في القانون

على الرغم أن الدين الإسلامي الحنيف قد أشار إلى أهمية ومكانة المرأة في المجتمع وفي المنزل ، وعلى الرغم من دور النساء المحوري في نشر الدعوة الإسلامية ؛ إلا أن عنصر السلطة الابوية لا زال يشهد نوعًا من الوجود في الكثير من المجتمعات العربية ، وإليكم أبرز الأمثلة على ذلك :

-يتحكم الأب دائمًا في طبيعة الدراسة الخاصة بابنته ولا يُعطيها الحق في الكثير من الأحيان في اختيار مجال الدراسة أو العمل .

-كما أن العديد من الاباء أيضًا لا يُعطين بناتهن الحق في التعليم أو العمل وخصوصًا في القرى التي لا زالت اثار البطريركية تغزوها بنسبة كبيرة .

-تُحرم العديد من الأسر بناتهن من الحصول على الميراث ، وتُسلبهن حقهن أيضًا في اختيار شريك الحياة ، بل إن، زواج الأقارب والزواج في سن صغير وإجبار الفتاة على الزواج لا زال قائمًا أيضًا في الكثير من المجتمعات العربية على الرغم من سعي الحكومات والدول إلى نشر الوعي ورفع درجة الثقافة والتوعية في القرى والمدن ؛ إلا أن الهيمنة الذكورية المتأصلة بشكل كبير في النفوس لا زالت ذات صدى مسموع ومؤثر في المجتمع .

السلطة الأبوية في المجتمع العربي

يرى الكثير من المتخصصين إن مفهوم النظام الأبوي أو البطركية هو مفهومًا اجتماعيًا مرتبطًا بالنظريات والفكر الاجتماعي وتناوله للمجتمع، حيث لا يعبر هذا المفهوم فقط عن سيطرة وسلطوية يقوم بها الرجال على النساء بل هو مفهوم اوسع بكثير ويشير الى القيم والرموز والتصورات للأنا والآخر والعالم ويتمحور حول الأب الطبيعي سواء في الأسرة او السلطة او النسق القيمي بشكل عام. ومن خلال ذلك تسعى هذه الدراسة الى تناولوإبراز أهميته في إطار النظريات الاجتماعية مع التطبيق في ذلك على المجتمع العربي. إي إننا نسعى من وراء هذا التناول الى استكشاف ومعرفة هذا النوع من المصطلحات والوقوف على دوره في تخلف المجتمع العربي كما أشار الى ذلك شرابي. ثم إن التركيز على دراسة هذا المفهوم يهدف الى استشراف إمكانية احداث التغيير الاجتماعي وتقديم التفسيرات والتوضيحات ومعرفة مكامن الخلل بغية إعادة بناء البنى الاجتماعية والسياسية على أسس رشيدة وعقلانية.

إن المجتمعات التقليدية أكثر المجتمعات التي يسود فيها النظام الأبوي، والمجتمع العربي حسب تصنيف العديد من الكتاب والباحثين هو مجتمع تقليدي يسوده نظام أبوي يشكل مجموعة من الأنماط المتنوعة من القيم والسلوك والتنظيم، فرغم تعدد الدراسات السوسيولوجية والأنثروبولوجية التي تناولت المجتمع العربية، إلا انها كانت تنظر للمجتمعات العربية باعتباره مجتمعات جامدة، الأمر الذي دفع ببعض الكتاب كهشام شرابي الى تناول المجتمع العربي بدراسة معمقة عن بنية المجتمع والعائلة العربية، وقد خرج بنتيجة مفادها ان بنية المجتمع العربي يسوده “النظام الأبوي” الأمر الذي جعله متخلفًايكرس علاقات غير متكافئة بين افراد المجتمع سياسيًا واجتماعيًا بعيدًا عن الحداثة والتطور الذي حدث في الدول الرأسمالية. لذا فيمكن ان تتمحور اشكالية البحث في مفهوم النظام الأبوي عند هشام شرابي والمحددات التي اعتمدها في تناوله للنظام الأبوي في المجتمع العربي.

تسعى هذه الورقة الى تناول أبرز الجوانب التي تناولها هشام شرابي في إطار اهتمامه بنقد المجتمع العربي وبنيته الاجتماعية الأبوية؛ إذ تتناول الدراسة مفهوم النظام الأبوي بشكل عام ثم تتناول مفهوم هشام شرابي للنظام الأبوي في المجتمع العربي، بالإضافة الى تناول بعض النقاط المتعلقة بالنظام الأبوي كاعتباره سببَا رئيس للتخلف او اعتبار اللغة أيضًا ركن من اركان وأسباب هذا التخلف.

نظام السلطة الأبوية في القانون الروماني

فمن حيث المدة فان نطاق هذه السلطة الزمني هو طيلة حياة رب الاسرة وتمتعه بالشخصية القانونية طالما لم يخرج الاولاد عن نطاق الاسرة بالتبني او التحرر او زواج الأبنة زواجا مع السيادة ( ويقصد به ان المرأة المتزوجة كانت تدخل في اسرة زوجها بمجرد خضوعها لسيادة زوجها ) ، اما من حيث الاشخاص الذين تمتد اليهم السلطة الابوية فان الاب كان هو السيد المطلق على ابنائه ونسائهم فكان يملك حق الحياة او الموت وله ان يبيعهم عقابا لهم وله ان يطالب بهم اذا استولى عليهم الغير واستردادهم كما انه لا يجوز لهم الزواج الا باذنه . ومن حيث الاموال فان جميع اموال الاسرة كانت ملكا للاب يتصرف بها تصرفا مطلقا خلال حياته بكل التصرفات القانونية وبالوصية بعد الموت وكان كل مايحصل عليه الابناء من موارد مالية يعود لابيهم اما مايترتب بذمة الابن من ديون فلم يكن الاب يلتزم بها الا الاضرار التي تنتج عن جريمة وفي هذه الحالة كان الاب مخيرا بين ان يدفع التعويض اللازم لجبر الضرر او تسليم ابنه الى عائلة المجني عليه او المتضرر . وفيما يتعلق بسلطة الاب في المعارضة في زواج ابنته من دون مبرر او تمتع الابن بشيء من الذمة المالية والقيام بدور مستقل في الحياة القانونية اصابه شيء من التطور حيث سمح للابناء في هذه الحالات القيام بما يريدونه بمعزل عن السلطة الابوية التي لم تعد مطلقة بعد هذا التطور . وتتحدد مصادر السلطة الابوية بثلاث مصادر وهي اولا : الولادة من الزواج الشرعي ( الزواج مع السيادة ) ، او انها تأتي عن طريق التبني وهو نظام قانوني يقصد به ايجاد علاقة بين شخص وآخر وينتج التبني الاثار التي تنتجها الابوة المتولدة عن زواج شرعي ، وقد عرف القانون الروماني نظامين للتبني هما : تبني الشخص المستقل بحقوقه وبمقتضى هذا النمط من التبني يدخل رب اسرة في عائلة رب اسرة اخرى باعتباره ابنا لها ويشترط لكي يكون هذا التبني صحيحا : مصادقة المجالس الشعبية وتدخل الكهنة في عملية التبني ، ويجب ان يكون المتبني رجلا اهلا لاكتساب السلطة الابوية بلغ الستين من العمر وليس له اولاد ذكور واخيرا لابد من من رضا التبني وان كان قاصرا فبموافقة وصيه ، والتبني في هذه الحالة لايعد تاما ونهائيا الا بالبلوغ والرضا . ويترتب على نظام التبني في هذه الحالة عدة اثار هي : دخول المتبني ومن هم تابعون له في الاصل في اسرة المتبني ويخضعون لسلطته كما لو كان والدا شرعيا لهم ، كما يترتب عليه انتهاء القرابة المدنية بين المتبني وعشرته السابقة ويصبح ميتا بالنسبة لهم ويحكم عليه بالموت المدني لتغير صفته العائلية ، كما ان املاك المتبني وامواله مملوكة للمتبني وتنتهي ذمة الاول المالية . اما النظام الثاني للتبني في القانون الروماني هو تبني الخاضع لسلطة غيره وهو الاجراء القانوني الذي يتم بمقتضاه نقل شخص ذكرا او انثى خاضع لسلطة رب اسرة الى سلطة رب اسرة اخرى . ويجب لكي يتحقق هذا العمل القانون ويكون صحيحا ان يتوفر عدة شروط : هي موافقة الابوين ثم اضاف القانون الروماني موافقة الابن المتبنى ، ثم يجب ان يكون المتبنى اهلا لاكتساب السلطة الابوية واخيرا ، يجب ان يكون فارق السن بين المتبني والمتبنى وفقا لما حدده جستنيان هو ثمانية عشرة سنة. ويترتب على نظام التبني هذا اذا استوفى شروطه المذكورة اعلاه ان يصبح المتبني كالمولود من زواج شرعي بالنسبة للعائلة التي تبنته ويخضع لسلطة الاسرة الجديدة ولكن لايترتب على هذا النوع من التبني اية اثار مالية لان الخاضع لسلطة غيره ليس له ذمة مالية في القانون الروماني. اما المصدر الثالث من مصادر السلطة الابوية هي منح البنوة الشرعية ففي هذه الحالة يمنح الولد الناتج من المعاشرة صفة الابن الشرعي فيدخل في سلطة من عاشر امه كما لو كان من زواج شرعي ويتحقق ذلك عن طريق : الزواج اللاحق بين الرجل وخليلته ، او صدور قرار من الامبراطور في حالة عدم قيام الزواج لوفاة الام ، او ينذر الابن الى المجالس البلدية فالولد في هذه الحالة لا يعد قريبا للاب وانما يقتصر على منح البنوة الشرعية خضوع الابن الطبيعي لسلطة ابيه . وهناك نوعين من الاسباب حددها القانون الروماني تنقضي معها السلطة الابوية فالنوع الاول ان تنقضي السلطة الابوية مع بقاء القرابة للابن باسرته ويتحقق ذلك في الحلات الاتية : موت الاب سواء كان موتا طبيعيا ام مدنيا والموت المدني يتحقق بفقد الاب لحريته او وطنيته فيتحرر الافراد الذين كانوا خاضعين لسلطته ، او ان يمنح الابن هذه الصفة تكريما له اذا اعتلى مناصب دينية او مدنية او عقابا للولد ان نبذ او ترك طفله او حرض على الفجور او في حالة الزنا بالمحارم . اما النوع الاخر من الاسباب لانقضاء السلطة الابوية وزوال الروابط بين الشخص وعائلته فتتحقق عن طريق التبني او الزواج مع السيادة ، او وفاة الابن مدنيا ، او في حالة التحرير لان التحرير هو عمل قانوني يخرج بمقتضاه الاب ابنه او ابنته من سلطته.

النظام الأبوي pdf

لتحميل الملف اضغط هنا

بحث عن السلطة الأبوية

لتحميل الملف اضغط هنا

السلطة الأبوية pdf

لتحميل الملف اضغط هنا

 

السابق
مفهوم التفويض وخطواته
التالي
ماهي البطريركية الذكورية

اترك تعليقاً