أدبيات

من هو الشخص الصالح لدى أبيلارد؟

عاش الفيلسوف بيتر أبيلارد حياة مليئة بالأحداث ومضطربة، وكتاباته الأخلاقية لها شدة يتوقعها المرء من راهب مشهور بفخره المهني وعلاقته بحبه المأساوي، مثل أوغسطين من قبله فهم أبيلارد الأخلاق من كلا الجانبين.

الفلسفة الأخلاقية بين أبيلارد وأرسطو:

يترجم روس تعريف أرسطو للفضائل على النحو التالي بأنّ: الفضيلة هي حالة شخصية (hexis) معنية بالاختيار (prohairetikē)، وتقع في وسط أي المتوسط ​​النسبي بالنسبة لنا، وهذا يتم تحديده من خلال مبدأ عقلاني وبهذا المبدأ الذي يحدده الرجل صاحب الحكمة العملية.

لذا يبدو أنّ أرسطو لا ينكر أنّ النية (prohairesis) تلعب دورًا حاسمًا في ما إذا كان الشخص فاضلاً أم لا، ويبدو واضحًا أنّ أفعال أرسطو المطلوبة (الشائنة) والتي تتم بقصد (prohairesis) هي تلك التي لها أهمية خاصة من الناحية الأخلاقية، حيث أنّ الرغبة في فعل شيء والقيام به عن قصد يربط بين الفعل والممثل بطريقة ذات صلة خاصة.

بالطبع يقول أرسطو أنّ الشخص الفاضل يشعر بالمتعة في العمل الأخلاقي، ولكن هذا لا يعني أنّه كان من السهل على الشخص الفاضل الوصول إلى هذه النقطة، ولربما كان يكافح بجد لتعويد نفسه على الشعور بالمتعة في العمل الصحيح، وبالتأكيد سيوافق أرسطو على أنّ الشخص الذي كان عليه أن يكافح بجد لتعويد نفسه على الشعور بالمتعة في العمل الجيد هو أكثر جدارة بالثناء من شخص كانت الطبيعة أكثر استعدادًا للقيام بذلك.

بينما من وجهة نظر أبيلارد يبدو من المعقول أن يعتاد المرء على أن يكون أكثر صعوبة لمقاومة الإغراء، لأنّه على ما يبدو هذه المقاومة هي التي تجعل الشخص الصالح، ولكن هل هذا حقًا إنجاز أعظم من النضال من أجل تعويد المرء على عدم الإغراء بسهولة، بل الشعور بالمتعة في فعل الخير؟ هل هناك صراع أقل وإذا حاول المرء تغيير ما يشعر بالسعادة والاستياء فيه بحيث تلتقي اللذة بالخير وتزعج الشر، ثم لا تعمل على هذا ولكن عليه أن يحشد إرادته للتصرف ضد رغباته باستمرار؟

الفجوة هي بين القدرة على تكوين النوايا والقدرة على الشعور بالمتعة، بحيث يبدو أننا مسؤولون عن أحدهما ولكن ليس الآخر، كما لو أنّ المتعة منفصلة إلى حد ما عن الشخص ككائن أخلاقي، كما أنّ مفهوم التناغم بين النية والمتعة في الشخص الفاضل كما اقترحه أرسطو هو أكثر إقناعًا من مفهوم أبيلارد، وإذا تم أخذه لإعطاء حساب لما هو الشخص الصالح، كما يقدم أرسطو وصفًا لـ شخص متكامل بينما يبدو أنّ أبيلارد ينظر إلى جانب معين من الشخص على أنّه ذو قيمة فقط لأنّه يحتاج إلى التغلب عليه.

أبيلارد والخطأ الأخلاقي:

في الأخلاق يطور أبيلارد شكلاً من أشكال القصدية حيث الصواب أو الخطأ الأخلاقي هو دالة على نوايا الفاعل، كما إنّه يطوّر حسابًا مقصودًا بحتًا للخطأ الأخلاقي، ومع ذلك من أجل تجنب نوع الذاتية أو النسبية التي قد توحي بها روايته في البداية فإنّه يؤكد تفسيرًا أكثر تعقيدًا للصواب الأخلاقي.

ينبع مفهوم أبيلارد عن الصواب والخطأ الأخلاقيين من إيمانه بأنّ الله هو الخير والمحبة في نفس الوقت، وبالتالي فإننا موصون بأن نحب الله والجار، وتظهر النوايا الحسنة محبة الله والجار وتحتقر النوايا السيئة، وأي نية لفعل ما يعتقد المرء أنّه خطأ يُظهِر احتقار الله كمصدر لكل حب وأيضًا ازدراء القريب باعتباره الضحية المباشرة لانعدام الحب، والشخص الذي ينوي فعل ما يعتقد أنّه صالح هو بالمثل ينوي إظهار الحب، ومثل هذا الشخص لا يتحمل أي خطأ أخلاقي، ولكن إذا أراد أن يكون جيدًا أخلاقياً فعليه أن يكون إيمانه صحيحًا.

فلسفة أبيلارد في الشخصية الصالحة:

السؤال الأساسي ماذا يعني أن تكون شخصًا صالحًا؟ والذي لا يزال بدون إجابة، ولكي يكون المرء صالحًا يجب ألّا يخطئ في الخطأ فحسب، بل أن يخطئ أيضًا في الفعل، ويجب أن ينوي المرء أن يفعل ما يعتقد أنّه يظهر محبة الله والجار ويجب أن تكون هذه المعتقدات صحيحة.

من المفترض أنّ أبيلارد كان سيقدم وصفًا أكمل في الكتاب الثاني للأخلاقيات أو في الحكم غير المكتمل للحوار، ومن المحتمل أن يعتمد تفسيره بشدة على مناقشته للقانون الطبيعي، فمن خلال دراسة القانون الطبيعي يمكننا التعرف على الخير والمحبة بدون وحي إلهي، وهناك مبادئ في القانون الطبيعي يمكننا اكتشافها وربما يجب علينا معرفتها.

يناقش أبيلارد عدة أمثلة لإظهار أنّه يمكن للمرء أن يخطئ في العمل (ينتهك القانون الطبيعي) ولكن ليس مخطئًا (ينتهك القانون الطبيعي عن عمد)، حيث إنّ الجهل بهذه المبادئ قد يُبرئنا من الخطأ ولكن وجود مثل هذه المبادئ يعني أيضًا أنّ هناك معيارًا موضوعيًا يجب أن نحققه من أجل أن نكون صالحين أخلاقياً، ومجرد الاعتقاد بأنّ نوايانا جيدة لا يكفي.

الحوار بين فيلسوف ويهودي ومسيحي هو في الحقيقة زوجان من الحوارات كالتالي:

1- الأولى بين فيلسوف ويهودي.

2- الثانية بين مسيحي وفيلسوف.

الظرف الخيالي هو أنّ فيلسوفًا يهوديًا (يُعرف بأنّه ابن إسماعيل ومن المحتمل أنّه عربي علماني، وهو خيار بارز بعد حوالي 35 عامًا من الحملة الصليبية الأولى)، ومسيحيًا يتجادلون حول طبيعة السعادة المطلقة للإنسانية والطريق إلى هذه السعادة المطلقة، والحاصل أنّه غير قادر على الوصول إلى نتيجة، فجاء الثلاثة إلى أبيلارد متوسلين منه أن يتصرف كقاضي ولكن حكم أبيلارد مفقود.

في الحوار بين الفيلسوف واليهودي يزعم اليهودي أنّ قانون العهد القديم هو الطريق إلى السعادة البشرية المطلقة، ويتصف المفهوم اليهودي للطريق إلى السعادة المطلقة بقائمة شاملة للطقوس المحددة والسلوك المحظور، وللعديد من الأسباب يجادل الفيلسوف أنّه من الممكن إطاعة جميع تعاليم القانون القديم ومع ذلك يعتزم ازدراء الإله وكرهه، والسلوك الصريح ليس بالضرورة انعكاسًا للحالة الداخلية لروح المرء.

يجادل الفيلسوف بدوره أنّ السعادة الحقيقية يجب أن تكون في حدود قدرتنا على الاكتساب والمحافظة عليها، وبما أنّ الشيء الوحيد الذي نمتلك السيطرة الكاملة عليه هو روحنا، فيجب أن يكون أساس السعادة داخليًا وفي قدرتنا على تحقيقه.

في الحوار بين الفيلسوف والمسيحي يدافع الفيلسوف عن الادعاء الرواقي بأنّ السعادة المطلقة هي حالة الهدوء العقلي التي تتحقق عندما يبلغ المرء الفضيلة، وبالنسبة للفيلسوف يمكن تحقيق السعادة المطلقة في هذه الحياة من قبل الشخص الذي يبحث عن الفضيلة، بينما يجادل المسيحي بأنّ السعادة المطلقة لا يمكن بلوغها إلّا في الحياة الآخرة وأنّها تختلف عن أي حالة يمكن بلوغها بدون نعمة إلهية.

يدافع المسيحي عن نوع من الرؤية المبهرة عن الله حيث يكافأ أولئك الذين يحبون الله برؤية واضحة عن الله تلهم المزيد من المحبة، وبالتالي رؤية أوضح في دوامة متزايدة من الحب النقي والنعيم الروحي، ويحدث العكس تمامًا لمن لا يحبون الله، وينتهي بهم الأمر في دوامة من الكراهية والبغضاء تتدهور باستمرار، كما أنّهم يعانون من بعض المعادلات الروحية للألم الجسدي، فالمسيحي في الحوار قلق من أنّ الخاطئ الذي لا يحب الله قد لا يعاني بشكل شخصي من الاغتراب عن محبة الله، والفيلسوف مقتنع بحجج المسيحيين.

وبالرغم من أنّ حكم أبيلارد مفقود لكن وجهة نظره من المحتمل أن تكون مزيجًا من هذين الموقفين وتنصير الرواقية، والسعي إلى الفضيلة وتنميتها هو الطريق إلى السعادة البشرية، ولكن السعادة الحقيقية لا يمكن بلوغها بالوسائل البشرية وحدها فنحن بحاجة إلى نعمة.

وبما أنّ الفضيلة البشرية تتطلب أن نفهم ونظهر المحبة في هذه الحياة فنحن مستعدون لتلقي هذه النعمة وقبولها، والسعادة الحقيقية إذن هي النعيم والهدوء الروحيان اللذان يأتيان مع حب الله المتزايد وفهمه، على الرغم من أنّه بدون اختتام الحوار فإنّه من المستحيل معرفة كيف كان أبيلارد قد توصل إلى العديد من التفاصيل.

السابق
فلسفة العقل لدى أبيلارد
التالي
فلسفة أبيلارد في الميتافيزيقا والإدراك والعقل

اترك تعليقاً