اعتمدت الواقعية المباشرة لفترة جورج إدوارد مور المبكرة اعتمادًا كبيرًا على أنطولوجيا الإدراك التي تضمنت كلاً من الواقعية الافتراضية له ونظرية هويته للحقيقة.
فلسفة مور في بيانات الإحساس:
عندما دفعت مور مشكلة الأكاذيب الموضوعية أخيرًا إلى التخلي عن كلا الواقعية الافتراضية ونظرية الهوية، فقد كان مطلوبًا مراجعة حساب الإدراك لتأمين شكل من أشكال الواقعية المعرفية، على سبيل المثال لم يعد بإمكانه شرح الفرق بين (2 + 2 = 4) والقطة على البساط بالإشارة إلى وجود مفهوم الوجود في الاقتراح والافتراض الأخير، وبدلاً من ذلك صرف مور الآن الفرق فيما يتعلق بما أسماه بيانات الإحساس.
تشمل أمثلة ذلك بقع اللون كالبقعة المثمنة (أي ذو ثمانية أضلع أو زوايا) من اللون الأحمر المرتبطة بعلامة التوقف، والمظاهر (المظهر الإهليلجي لعملة عند النظر إليها بزاوية)، وبعيدًا عن أمثلة من هذا النوع لم يوضح مور أو غيره تحديدًا ما هو المعنى بالضبط، وبفضل مور إلى حد كبير ظلت طبيعتها موضوع نقاش مستمر في أوائل القرن العشرين.
فسرهم معظم مؤيدي البيانات الحسية على أنّهم كيانات عقلية مسؤولة عن التوسط في تجاربنا الحسية للأشياء الخارجية، فعلى سبيل المثال عند إدراك علامة التوقف فإنّ ما يدركه المرء على الفور هو مجموعة من البيانات الحسية التي يتم من خلالها نقل حجم علامة التوقف وشكلها ولونها وما إلى ذلك.
فلسفة مور في نظرية بيانات المعنى وعلاقتها بالبيانات الحسية:
تظل علامة التوقف نفسها خارج دائرة الأفكار أو بالأحرى بيانات المعنى، وبالتالي فإننا ندركها بشكل غير مباشر فقط، وفي شكلها المعتاد تعد نظرية بيانات المعنى شكلاً من أشكال التمثيلية المتوافقة مع الواقعية غير المباشرة وليس الواقعية المباشرة.
قبل مور في البداية وجهة النظر التمثيلية لبيانات المعنى، ولكنه لم يكتف بذلك طويلاً حيث بدا أنّه ترك وجهة النظر المنطقية للعالم مفتوحة للشكوك المتشككة في التنوع الديكارتي المألوف، ونتيجة لذلك قام بتعديل نظرية بيانات المعنى لجعلها شكلاً من أشكال الواقعية المباشرة تمامًا كما فعل سابقًا مع نظرية الافتراض.
كانت استراتيجيته في كلتا الحالتين هي نفسها، أي من خلال جعل الوسطاء العقليين المزعومين متطابقين مع الأشياء الخارجية، حيث إنّه يلغي الحاجة إلى وسيط ويجعل الأشياء الخارجية متاحة مباشرة للوعي، وهكذا لمدة خمسة عشر عامًا تقريبًا، فقد حاول مور بشكل متقطع للدفاع عن وجهة نظر تكون بيانات المعنى وفقًا لها مطابقة للأشياء الخارجية أو أجزاء من هذه الكائنات.
على سبيل المثال يمكن أن يكون المعطيات الحسية متطابقة مع كل شيء في حالة الصوت، بينما بالنسبة للأشياء المرئية التي لها دائمًا جوانب مخفية ( على سبيل مثال الجانب السفلي من الطاولة أو الجانب الخلفي من العملة المعدنية) يمكن أن يكون مرجع الإحساس الفردي مطابقًا لجزء فقط من سطح الكائن.
في النهاية لم يستطع مور الحفاظ على نسخة بيانات المعنى هذه للواقعية المباشرة بشكل أفضل من نسخته المقترحة السابقة، ولقد أفسح المجال تحت وطأة الحجج مثل الحجة من الوهم والحجة من عدم التوافق التركيبي.
وهذا الأخير يعمل على النحو التالي، حيث لنفترض أنّ الشخص (A) ينظر إلى الجانب الأمامي لعملة معدنية مباشرة، وأنّ الشخص (B) ينظر إلى نفس العملة من زاوية، فبالنسبة إلى (A) يبدو أنّ الوجه الأمامي للعملة دائري، بينما بالنسبة إلى (B) يبدو أنّه بيضاوي الشكل.
يفسر منظري البيانات الحسية هذا بالقول إنّ (A) يرى مسند حاسة دائرية، بينما يرى (B) معطيات إحساس إهليلجي، ولكن بالنظر إلى أنّ (A) و (B) ينظران إلى نفس الجزء من سطح العملة (السطح الكامل للجانب الأمامي)، فإنّ اقتراح مور بأنّ بيانات الإحساس متطابقة مع أجزاء من أسطح الأجسام الخارجية يستلزم أنّ السطح الكامل للعملة الوجه الأمامي للعملة دائرية وبيضاوية في نفس الوقت، ولكن هذا يعني وجود تناقض وبالتالي لا يمكن أن يكون صحيحًا.
تثير الحجة من الوهم مشاكل مماثلة لمشكلة الأكاذيب الموضوعية التي أبعدت مور عن الواقعية الافتتاحية المبكرة، ففي النسخة التمثيلية لنظرية بيانات المعنى يمكننا شرح الفرق بين الإدراك الحقيقي والتصورات الخاطئة (الوهمية) بالإشارة إلى التطابق وعدم التطابق بين المعنى والشيء الخارجي الذي يمثله.
ومع ذلك في النسخة الواقعية المباشرة لمور ليس من المنطقي أن نتحدث عن المعنى على أنّه فشل في التوافق مع الشيء، ونظرًا لأنّ بيانات المعنى متطابقة مع الكائنات أو أجزائها فلا يمكن أن تكون هناك بيانات منطقية بدون وجود (أو بالأحرى وجودهم) كائن، وهذا يعني أنّ كلا من الوهم مستحيل (وهو ما يتعارض مع التجربة) و أنّ كل تلك التجارب التي نسميها عادة خادعة ليست في الحقيقة الشيء الخادع الموجود بالفعل في حالة وجود بيانات الإحساس الوهمية.
بحلول عام 1925 أقرّ مور بأنّه لا يستطيع إيجاد طريقة للتغلب على هذه الأنواع من الحجج، ومن ثم تراجع إلى نسخة من الواقعية غير المباشرة.
