أدبيات

فلسفة جرين في مبادئ عمل الدولة

لا يزال هناك توتر أساسي بين الحرية الفردية وضرورة الهياكل السياسية التي يجب أن تواجهها أي عقيدة فلسفية، ولا بد إذن إلى النظر إلى بيان الفيلسوف توماس هيل جرين بشأن هذه المشكلة والحل الذي اقترحه لها.

وجهة نظر جرين ورأيه في الدولة بشكل عام:

تستند آراء جرين في المقام الأول على الطبيعة البشرية وذكر أنّ الدولة كبضائع للإدراك البشري، حيث وصفها باركر بأنّها: “الوعي البشري يفترض الحرية، والحرية تشمل الحقوق حيث أنّ الحقوق تطالب الدولة“، ولم يعتبر أبدًا الدولة غاية ولكنها وسيلة للتطور الأخلاقي للأفراد.

كما يقول أنّ هدف الإنسان هو تحقيق الذات والحرية هي الوسيلة الأساسية لتحقيق هذه الغاية، والحياة الاجتماعية ليست سوى الذات فهي لا توفر فقط لنظام الحقوق، ويعتقد جرين أنّ حقوق الفرد ليست نتاجًا لأي عقد، حيث هذه الحقوق موجودة فيهم من خلال المجتمع فهي مرتبطة بالقانون فقط.

ومن ثم فإنّ الناس سوف يتبعون قوانين الدولة لأنّه يبدو لهم أنّها تعزز مصلحتهم المشتركة، وقد قال جرين إنّ الدولة أو السيادة كمؤسسة مميزة للدولة لا تصنع حقوقًا ولكن الحقوق موجودة بالفعل فيها، كما إنّه يعطي الإنسان ممارسة سلطات تأثرت ببعضها البعض من أجل الصالح العام، ولا يمكن تسميتها حالة إذا لم تفعل ذلك.

فلسفة جرين في الحرية الفردية للأفراد في الدولة:

يرى جرين أنّ الدولة يجب أن ترعى وتحمي البيئات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي سيكون للأفراد فيها أفضل فرصة للتصرف وفقًا لضمائرهم، حيث لاحظ أنّ جرين من حيث المبدأ ليست معنية بالسماح بجميع الإجراءات بغض النظر عن مصدرها، كما أنّه كان هو نفسه شخصًا قائمًا على إصلاحه للاعتدال، فعلى سبيل المثال قد ذكر مرارًا وتكرارًا أنّ الدولة يمكن أن تقيد بشكل شرعي حرية الفرد في قبول عبودية إدمان الكحول.

ومع ذلك يجب على الدولة توخي الحذر عند تحديد الحريات التي يجب تقييدها والطرق التي يتم بها تقييدها، ويمكن أن يؤدي تدخل الدولة المفرط في الحماسة أو الخرقاء إلى إغلاق فرص العمل الواعي بسهولة وبالتالي تقوية التطور الأخلاقي للفرد.

كما يجب على الدولة أن تتدخل فقط عندما يكون هناك ميل واضح ومثبت وقوي للحرية لاستعباد الفرد، وحتى عندما تم تحديد مثل هذا الخطر فقد كان جرين يميل إلى تفضيل عمل من قبل المجتمع المتضرر نفسه بدلاً من إجراءات الدولة الوطنية نفسها، كما تميل المجالس المحلية والسلطات البلدية إلى إنتاج تدابير أكثر إبداعًا وأكثر ملاءمة للواقع اليومي لمشكلة اجتماعية، ومن ثم فقد فضل (الخيار المحلي) حيث يقرر السكان المحليون إصدار تراخيص الخاصة بهم في منطقتهم من خلال مجالس مدنهم.

فلسفة جرين في تحديد مسؤوليات الدولة:

وأكد جرين على الحاجة إلى حلول محددة يتم تكييفها لتناسب مشاكل محددة، وهذا لا يعني أنّه سيتم التعامل مع جميع المشاكل بشكل أكثر فاعلية على المستوى المحلي أو البلدي، فقد كانت الدولة القومية هي المؤسسة السياسية الوحيدة القوية بما يكفي لشن حرب على الصعيد الدولي على سبيل المثال.

علاوة على ذلك كان من المرجح أن تكون المؤسسة قادرة على مقاومة المصالح المكتسبة مثل تلك الموجودة في قطاع التصنيع، على سبيل المثال يعني ذلك أنّ الحكومة الوطنية هي التي يجب أن تمرر اللوائح المتعلقة بالشروط والأحكام في العمل، أو بشأن بيع الأراضي والسيطرة عليها.

ومع ذلك شدد جرين على أنّه لا توجد حلول أبدية ولا تقسيم خالد للمسؤوليات، ويجب أن يسترشد توزيع المسؤوليات بالحتمية لتمكين أكبر عدد ممكن من الأفراد من ممارسة إرادتهم الواعية في ظروف طارئة معينة، وذلك لأنّه بهذه الطريقة فقط كان من الممكن تعزيز الإدراك الذاتي الفردي على المدى الطويل.

ومن ثم كان اتخاذ قرار بشأن توزيع المسؤوليات مسألة تتعلق بالسياسة العملية أكثر من كونها تتعلق بالفلسفة الأخلاقية أو السياسية، وقد تظهر التجربة أنّ المستويات المحلية والبلدية غير قادرة على التحكم في التأثيرات الضارة لصناعة الجعة على سبيل المثال، وعندما أظهرت ذلك يجب أن تتحمل الدولة القومية مسؤولية هذا المجال من السياسة العامة.

ويرى جرين أنّ السلطة النهائية لاتخاذ قرار بشأن توزيع مثل هذه المهام يجب أن تكون بيد الدولة القومية (في بريطانيا مثلًا مجسدة في البرلمان)، والدولة القومية نفسها شرعية لجرين إلى حد أنّها تدعم نظام الحقوق والالتزامات التي من المرجح أن تعزز تحقيق الذات الفردي.

ومع ذلك فإنّ أنسب بنية لهذا النظام لا تحددها الحسابات السياسية البحتة ولا التخمينات الفلسفية، حيث أنّه من الأدق القول إنّها نشأت من البنية المفاهيمية والمعيارية الأساسية لمجتمع معين.

السابق
فلسفة جرين لتكوين مجتمع والدولة الحديثة
التالي
النظرية الاجتماعية وقوة الوعي للفيلسوف جرين

اترك تعليقاً