الكتابة فنّ له قواعد وأسس محدّدة كانت ولا زالت موجودة سواء كانت قواعد نحويّة أو جماليّة، لكن كانت موجودة بكثرة في زمن الكتابة الورقيّة مثل الحذف والاختزال وغيرها من قواعد جماليّة اللغة، سنتحدث في هذا المقال عن الحذف في الكتابة ومعناه وجماليته.
ما معنى الحذف في الكتابة؟
الحذف في اللغة يعني إزالة الشيء، والحذفة معناها القطعة من الثوب فهي تعني الطرح أو القطف أو القطع، إذاً تدّل لغوياً على قطع الشيء وإسقاطه، أمّا معناها اصطلاحياً هي عبارة عن ظاهرة لغويّة يلجأ إليها اللغويّون في الكتابة، فيقومون بحذف العناصر التي يرونها لا داعي لها أو مكرّرة.
أو في حال كانت كلمة أو جملة لها قرائن في الكتابة بحيث يستطيع القارئ فهمها أو إيجادها بدون كتابتها، أو من الممكن ان يكون حذف مقاطع من الكلمة نفسها، والحذف موجود في الشعر والنثر فهو موجود في الشعر العربي وموجود أيضاً في القرآن الكريم.
جمالية الحذف في الكتابة:
الحذف في الكتابة له دواعي فهو أوّلاً يحقّق بلاغة الخطاب؛ فقد اهتمّ به النحويّون واللغويّون وليس البلاغيّون فقط؛ وذلك لأنّه يساهم في بناء اللغة والتركيب اللغوي فهو من الأسرار البديعية التي يبحث عنها الكتّاب ليصلوا إلى سموّ اللغة.
والحذف أيضاً يكسو الكلام روعةً وجمالاً وهو من دلائل الإعجاز في القرآن الكريم أيضاً؛ فهو يعطي اللغة قوّةً ومتانة باستخدامه الإفصاح البليغ الذي يأسر القارئ بسحره عن طريق استخدام الإشارة إلى العبارات، أو السكوت الذي يعتبر أحياناً أفصح من الكلام في التعبير وأبلغ بياناً.
وصفه أيضاً إمام البلاغة بقوله “هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما يكون بياناً إذا لم تبن”.
وهذا القول يعني أنّ جمالية الحذف لا تظهر إلّا عند تصفّح المعنى ومراعاته ومحاولة فهم المحذوف من خلال قرائنه في الكلام، ومدح الإمام علي بن أبي طالب الإيجاز في الكلام أيضاً بقوله “ما رأيت بليغاً قط إلا وله في القول إيجاز، وفي المعاني إطالة” وهذا يعني أنه من الأفضل إذا كان المعنى يصل بالإيجاز، فلا داعي للإطالة بالكتابة للتعبير عن المعنى.
دلائل الإعجاز في الحذف:
حذف المبتدأ:
وذلك بحذف الضمير أو اسم الإشارة، ويحذف عند القطع والاستئناف.
حذف الفعل:
وهنا يحذف الفعل في حالة أنّه نصب اسماً ظاهراً.
حذف المفعول به:
بحيث يعتبر أن حال المفعول به مع الفعل كحاله مع الفاعل، فلا داعي لوجوده أحياناً، وليس لنتائجه نهاية لأنّ له مزايا لا تعدّ مثل: إثبات المعنى في نفسه للشيء على الإطلاق، وأحياناً يحذف المفعول به من اللفظ لدلالة الحال عليه.
مثال الآية الكريمة قوله تعالى “وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ”. سورة القصص، 23. في موضع لا نسقي لم تذكر كلمة نسقي الغنم؛ وهذا لدلالة الفعل عليه فالفعل هنا يدل على سقي الغنم.
الإضمار على شريطة التفسير:
مثل جملة (أكرمني وأكرمت عبداللّه)، هنا لم يذكر المفعول به بعد الفعل الأول بسبب اكتفاء ذكره مع الفعل الثاني، فوجب الاستغناء عنه.
أفضلية إظهار المفعول به:
وهنا يقصد عندما يكون مفعول لمشيئة أمر عظيم وبديع.
مثال قوله تعالى “وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَآ ۙ إِنْ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ”. سورة الأنفال 31، هنا تمّ ذكر المفعول به؛ لأنّ الآية الكريمة تتحدّث عن عزّة الله سبحانه وتعالى.