ما الذي يميز الشعر عن النثر ؟ قد تختلط إجابة هذا السّؤال على غير المتعمّقين باللّغة العربيّة، فهناك خيط رفيع بينهما لا يعرفه إلاّ الضّالعين بعلوم الفصحى، وآدابها، فلكل منهما مجموعة من القواعد التي تتحكّم بصياغته، للخروج بعمل أدبي متفرّد.
تعريف الشعر والنثر
قبل التعرّف على الفروقات التي تميّز كل من الشّعر والنّثر عن بعضهما، لابد أوّلاً من التطرّق لتعريف كل منهما، لإعطاء فكرة عامّة للقارئ عنهما:
• الشّعر: نص أدبي يعتمد على نظم الأبيات المترابطة بوحدة الموضوع وفق جرس موسيقى معيّن، وقافية موزونة، تكوّن في مجموعها ما يُعرف بالقصيدة، ويزخر الأدب العربي بالكثير من القصائد على مرّ العصور، ويندرج تحت الشّعر الكثير من الفنون الأدبيّة.
• النّثر: نص أدبي يعتمد في إنشائه على أسلوب السّرد الذي يوظّفه الكاتب لإيصال فكرته بخصوص موضوع بعينه، ويوظّف أدوات مثل الحوار، والتّحليل، والبرهان، والنّتيجة للوصول لهذا الهدف، وفي الأغلب يكون النّثر مبني على خطاب منطقي موجّه للعقل، أكثر منه للعاطفة، ومثل الشّعر ينتمي للنّثر الكثير من الفنون الأدبيّة الأخرى المتعدّدة.
ما الذي يميز الشعر عن النثر
من أهم السّمات والخصائص التي تميّز الشّعر عن النّثر ما يلي:
• اعتماد الوزن والقافية لاعتبار النّص شعر، بينما لا يُشترط أي من الوزن أو القافية في كتابة النّثر، فنظم الشّعر يسعى خلف جرس موسيقي، بينما لا يوجد هذا الأخير في النّثر.
• اشتراط تحقّق الإيقاع الدّاخلي في نظم الشّعر، إذ يجب أن تحتوي القصيدة على أساليب لغويّة تخدم ترسيخ الإيقاع العام فيها، وإن خلت القصيدة من الإيقاع تصنّف بالضّعف، بينما لا يُشترط تحقيق هذا الشّرط في النّثر، مع عدم وجود ضوابط على وجوده في النّص النّثري.
• لغة الأبيات الشعريّة يجب أن تكون متفرّدة، تمنح القصيدة الإبداع، والتميّز عن غيرها من النّصوص الأدبيّة الأخرى، إذ يستطيع الشّاعر أن يستخدم كلمات ذات دلالات رمزيّة معيّنة لإخفاء قصده منها، وإضافة العموض على القصيدة، بينما النّثر يجب أن تكون لغته واضحة، بعيدة عن التّعمية والغموض، فمن يكتب النّثر يحتاج لاستخدام لغة لا تحتمل أكثر من معنى، فهو يريد توضيح فكرته، وإيصالها للآخر.
• يعتبر الشّعر ديوان العرب الذي أرشفوا فيه لمحة عن تاريخهم، وأسلوب معيشتهم، على عكس النّثر.
• يمكن نظم الشّعر للكثير من الأغراض التي تتراوح ما بين اللّهو، والغزل، والمدح، والهجاء، بينما النّثر لا يُكتب إلاّ بأسلوب علمي، إذ يعتبر النّثر لغة الدّين، والسّياسة اللّذان يحتاجان للحجّة والمنطق السّليم.
• يمكن التغنّي بالأبيات الشعريّة، لأنّها تحتوي على إيقاع داخلي، وتعتمد على جرس موسيقي، وهو ما لايمكن مع النّثر.
• من يكتب الشّعر يسمّى ناظمًا للقصيدة، بينما من يكتب النّثر يسمّى ساردًا للنّص.
أنواع الشعر في اللغة العربية
يزخر بحر الشّعر بالكثير من الأنواع التي تختلف كل قصيدة فيها عن الأخرى وفق المعايير التّالية:
حسب الموضوع
• الشّعر المسرحي: الذي يعتمد على ترتيب أحداثه وفق الزّمن، أو السّبب.
• الشّعر الملحمي: الذي يعتمد في نظمه على المزج بين الأساطير، والخيال من جهة، وما بين الواقع، والأحداث التّاريخيّة من جهةٍ أخرى.
• الشّعر المغنّى: أو الشّعر الوجداني الذي يحتوي على الكثير من العواطف المختلفة، ويتميّز بجرس موسيقى يمكن معه تحويل أبياته إلى غناء.
• الشّعر القصصي: يكون نظم أبياته وفق تسلسل أحداث قصّة معيّنة، إذ تتوفّر فيه جميع العناصر الأدبيّة المشترطة في القصّة مثل سرد أحداث القصّة، ووصف الشخصيّات، وما يدور بينهم من حوارات، وخاتمة.
حسب الشّكل
• الشّعر الحر: ظهر مؤخّرًا في أدبيّات اللّغة العربيّة، وهو الشّعر الذي لا يعتمد على القافية أو الوزن.
• الشّعر العمودي: المتجذّر تاريخ الأدب العربي، فهو من أوائل أنواع الشّعر وأقدمها ظهورًا، إذ يتكوّن كل بيت فيه من صدر وعجز.
• أنواع أخرى: مثل الشّعر المنثور، والشّعر المرسل، وشعر الرّباعيّات.
حسب اللّغة
• الشّعر الفصيح: الذي يعتمد في نظم أبياته على اللّغة العربيّة الفصحى.
• الشّعر العامي: الذي يستخدم ناظمه اللّغة العاميّة الشّعبيّة الدّارجة بين العوام لنظم أبياته، مثل الشّعر النّبطي، والزّجل، والموّال.
حسب الغرض
• شعر الغزل: من اسمه يتناول مواضيع وصف الحبيب، والتّعبير عن العواطف التي يُكنّها الشّاعر له.
• شعر الوصف: الذي يعتمد ناظمه على استخدام مفردات اللّغة العربيّة في وصف شخص ما، أو شيء ما، أو حدث ما.
• شعر المديح: استخدم العرب قديمًا شعر المديح للثّناء على الأمراء، والخلفاء، ووصل ذروة نظمه في العصر الأموي.
• شعر الرّثاء: ينظم الشّاعر أبياته لوصف مشاعر الحزن لموت أحد الأحبّة، أو تخليد ذكرى الشّهداء.
• شعر الهجاء: هذا الشّعر كان متجذّرًّا في العصر الجاهلي، حيث يتعصّب كل شخص لقبيلته تعصّب أعمى، فهو يعتمد في نظمه على ذكر مساوئ، وعيوب الطّرف الآخر.
• شعر الحكمة: الذي يعتمد على استخدام المنطق، والحكمة في نظم أبياته.
• شعر الاعتذار: لتقديم الأسف بطريقة شعريّة، يعبّر فيها الشّاعر عن سبب اعتذاره.
أنواع النثر في اللغة العربية
يندرج تحت النّثر العديد من الأنواع نذكر منها ما يأتي:
• النّثر العادي: وهو الكلام الذي يسخدمه العوام في سرد أحداثهم اليوميّة، ويعتمد على الارتجال، بعيدًا عن التكلّف اللّغوي.
• النّثر الفنّي: فيه الكثير من فنون الأدب العربي الجماليّة مثل ترتيب الأفكار، وسلامة اللّغة، وحسن الصّياغة.
• النّثر غير الخيالي: الذي يعتمد على سرد الأحداث الواقعيّة، ويستخدم لغة واضحة، بعيدًا عن أي من الأساليب الفنيّة الأدبيّة.
• النّثر الخيالي: الذي يعتمد على سرد أحداث غير حقيقيّة، وإنّما هي من بنات أفكار الكاتب بالمطلق، أو قد تكون مختلطة ما بين الواقع، والخيال، مثل الرّوايات، والقصص.
• النّثر البطولي: وهو الذي يستخدم لسرد الأساطير، والحكايات التّاريخيّة الملحميّة، أو القصص الخرافيّة، ويكثر فيه استخدام الألفاظ التي تعبّر عن تكوين صورة عن موضوع النّثر في خيال القارئ أو المستمع.
• النّثر الشّعري: يقترب قليلاً من الشّعر، فهو عمل أدبي يتناول أبيات شعريّة لا يشترط فيها الالتزام بشروط كتابة الشّعر، إذ يتم كتابة الأبيات بطريقة نثريّة.
وبذلك أجبنا على سؤال ما الذي يميز الشعر عن النثر ، بطريقة سهلة وبسيطة، تمكّن القارئ من تصنيف النّص الذي يقرأه إلى شعر أو نثر بسهولة، والتوسّع بالاطلاع على أي منهما وفق القواعد الأدبيّة الخاصّة بإنشاء كل منهما، وتذوّق النص الأدبي بوعي لغوي سليم، ومبسّط.