تعتبر نظرية فعل الكلام اللغة نوعًا من الفعل وليس وسيلة للتعبير، وغالبًا ما تستخدم هذه النظرية في مجال فلسفة اللغات، وقد كان الفيلسوف جون لانجشو أوستن هو الذي توصل إلى نتائج مفادها أنّ الناس لا يستخدمون تلك اللغة فقط لتأكيد الأشياء ولكن أيضًا لفعل الأشياء.
أوستن بين دمج الجمل والتمييز بين الألفاظ المعيارية:
في عمله على أفعال الكلام يقدم أوستن سببًا مختلفًا لعدم دمج الجمل وذلك بالنظر إلى معانيها، مع الحقائق لتحديد قيم الحقيقة، حيث يقوم السبب الثاني على حقيقة أنّ أي جملة يمكن استخدامها في أداء مجموعة متنوعة من الأعمال اللغوية، على الرغم من أننا ننتج عادةً عبارات يمكن تقييمها على أنّها صحيحة أو خاطئة، وعند القيام بأعمال لغوية أخرى لا نحتاج إلى إنتاج أشياء يمكن تقييمها بهذه الطريقة.
السبب الثاني يعتمد إذن على مطالبتين فرعيتين:
أ- ما إذا كانت الجملة تُستخدم في مناسبة ما للإدلاء ببيان بشكل عام، فإنّ الشيء الذي يمكن تقييم الحقيقة يعتمد على أكثر من مجرد ما تعنيه.
ب- أنّ بعض استخدامات الجمل لأداء أعمال لغوية غير تكوين العبارات لا يمكن تقييمها بشكل صحيح على أنّها صحيحة أو خاطئة.
يناقش أوستن للتمييز بين الألفاظ المعيارية على نطاق واسع، والألفاظ من النوع المناسب لتقييمها من حيث الحقيقة والألفاظ الأدائية على نطاق واسع، والألفاظ التي لا تصلح إلّا لأشكال أخرى من التقييم.
أوستن والأداء الافتراضي:
بالإضافة إلى مناقشة التمييز الأدائي الافتراضي المفترض، يرسم أوستن تمييزًا بين أنواع أفعال الكلام وبين الأفعال التلفظية والأفعال الإنجازية والأفعال التأثيرية على نطاق واسع، والتمييز بين قول أي شيء على الإطلاق وقول شيء ما بقوة معينة مثلًا صنع بيان وطرح سؤال وتقديم طلب، والآثار الإضافية لقول شيء ما بقوة معينة مثلًا إقناع الجمهور بشيء ما أو حملهم على إخبارك بشيء ما أو حملهم على فعل ما تطلبه، وأصبحت الحاجة إلى رسم مثل هذا التمييز مقبولة على نطاق واسع الآن وربما ترقى إلى مساهمة أوستن المركزية في العمل الأحدث.
ويقدم أوستن بعض الاقتراحات المبهمة حول الأهمية الأوسع لمناقشته الأداء الافتراضي فيما يتعلق بتأثيرها، مثلًا على ما يسميه الوثن الحقيقي أو الخاطئ وصنم القيمة أو الحقيقة.
أوستن والكلام الأدائي:
أثناء مناقشة موضوعاته الرئيسية يستخدم أوستن أحيانًا التمييز بين الاستخدامات الجادة وغير الجادة للغة، ويقترح أنّ الاستخدامات غير الجادة للغة مشتقة من الاستخدامات الجادة، وبشكل تقريبي فإنّ التمييز هو تعميم للتمييز بين التأكيدات الحقيقية والتأكيدات الزائفة في الخيال أو على المسرح.
تحدى جاك دريدا مكانة التمييز والأولوية التي يبدو أنّ أوستن يمنحها لبعض ما اعتبره استخدامات خطيرة، ورد جون سيرل على دريدا، وأصبحت القضية مصدرًا لبعض محاولات المشاركة بين أولئك المتعاطفين مع نهج سيرل (التحليلية) بشكل أكبر للقضايا في هذا المجال والذين يتعاطفون مع المزيد من الأساليب (القارية).
يقدم أوستن السبب الثاني لعدم تآمر الجمل مع الحقائق لتحديد قيم الحقيقة، وذلك في النظر فيما إذا كان هناك تمييز مفيد يمكن رسمه بين الجمل الإرشادية التي تُستخدم لإصدار العبارات التي يسميها أوستن بـ(المقادير)، والجمل التي يمكن استخدامها في أداء بعض الأعمال التي يسميها أوستن (الأدائية).
سمات غموض الفلسفة في الجمل الأدائية:
يُقرأ أوستن أحيانًا على أنّه يسعى للدفاع عن وجهة النظر لاتخاذ قرار بأنّ الجملة صحيحة أو خاطئة للأداء، ومع ذلك تشير أربع سمات في عرضه إلى أنّ وجهة نظره ليست واضحة تمامًا:
1- يقدم أوستن القضية فيما يتعلق بالتصنيف باستخدام النطق لأنواع الجملة، ومن الملاحظ بالفعل أنّه متشكك بشكل عام بشأن الارتباطات المزعومة بين الجمل واستخداماتها العرضية.
2- فشل أوستن هنا وفي أي مكان آخر في تقديم حجج جادة لتأكيده أنّ أيًا من الأقوال المذكورة ليس صحيحًا أو خاطئًا.
3- تم تأكيد أوستن باستخدام الشكل الأدائي الظاهر “أنا أؤكد …” وهو الشكل الذي يظهر، علاوة على ذلك لتزييف التعميم بأنّ الأداء يفتقر إلى قيم الحقيقة.
4- يصدر أوستن التحذير التالي في حاشية سفلية قبل صفحتين بأنّ: “كل ما قيل في هذه الأقسام مؤقت ويخضع للمراجعة في ضوء الأقسام اللاحقة”.
طرق أخرى لتقييم الجمل لدى أوستن:
يمضي أوستن في مناقشة طريقتين مختلفتين تمامًا على ما يبدو لتقييم النطق من النوعين المختلفين على ما يبدو:
1- يتم تقييم المكونات على أساس بُعد الحقيقة والباطل.
2- على النقيض من ذلك يتم تقييم المؤلفات على أساس أبعاد السعادة والتعاسة أو النعيم والشقاء.
من المهم أن نرى أنّه حتى لو كان صحيحًا بشكل عام فإنّ بعض الأشياء التي يتم إجراؤها باستخدام الأداء على سبيل المثال الزواج والتسمية والتوريث والمراهنة ليست صحيحة ولا خاطئة، بل تخضع للتقييم على أنّها سعيدة أو غير سعيدة ولن يتبع ذلك أنّ الحقيقة خارج الصورة.
قد يعتمد ذلك ليس فقط على الادعاء الأساسي بأنّ أفعال هذه الأنواع في حد ذاتها ليست صحيحة أو خاطئة، ولكن أيضًا على الادعاء بأنّ أفعالًا معينة من هذه الأنواع ليست أيضًا من أنواع أخرى يمكن تقييمها على أنّها صحيحة أو خاطئة، حيث أدرك أوستن أنّ الإجراءات يمكن أن تكون من أكثر من نوع واحد، أو ربما يمكن تنفيذ الإجراءات المتميزة في وقت واحد.
في الأمثلة التي يستشهد بها أوستن تتم الأشياء التي لا يمكن تقييمها على أنّها صحيحة أو خاطئة كالزواج والتسمية والمراهنة.. إلخ، ولكن كما يشير أوستن قد تتضمن هذه الأمثلة أيضًا القيام بأشياء أخرى، على سبيل المثال الإدلاء ببيانات والتي يمكن تقييمها على أنّها صحيحة أو خاطئة أو تتضمن أشياء يمكن تقييمها على أنّها صحيحة أو خاطئة.
ومع ذلك على الرغم من أنّ هذا يقوض توصيف أوستن المؤقت للعناصر الأدائية، فإنّ احتمالية قيامنا أحيانًا بأكثر من شيء في استخدام الأداء يؤدي إلى الضغط على فكرة أنّ هناك ارتباطًا بسيطًا بين الجمل والأشياء المختلفة التي نقوم باستخدامها.
أقسام الكلمات لدى أوستن:
متى تكون الكلمات مجرد كلمات، ومتى تجبر الكلمات على الفعل؟ قسم أوستن الكلمات إلى فئتين:
1- الكلمات الثوابت: الكلمات التي تصف موقفًا.
2- الكلمات الأدائية: الكلمات التي تحرض على الفعل.
على سبيل المثال هل علامة “ممنوع الركض” تصف مشيتك، أم أنّك لا تركض لأنّ اللافتة تمنع ذلك؟ يصف كولين جليني بوغز كيف تمنح هذه التصنيفات القوة للكلمات وفي النهاية لأفعالك، ولقد أُقترح أنّ وجهة نظر أوستن للتمييز المفترض بين الأداء والثوابت أقل وضوحًا مما قد يبدو للوهلة الأولى، ويدعم هيكل أوستن هذا التقييم.
على الرغم من أنّ الكثير من الكتاب يبدو أنّه مكرس للسعي إلى التمييز بين الأدائيين والثابتين ولم تنجح أي من المحاولات، ومن الممكن لكن من غير المعقول أنّه خلال المحاضرات وجد أوستن أنّه لم يكن قادرًا على رسم تمييز كان يعتقد أنّه يجب رسمه، والتفسير الأكثر منطقية هو أنّ هدف أوستن ليس وضع مثل هذا التمييز.
بالأحرى يجادل من خلال إخفاقات المحاولات المختلفة للتمييز بأنّه لا يوجد مثل هذا التمييز البسيط، ولا يوجد تصنيف للجمل في تلك المناسبة للاستخدام الأدائي وتلك المناسبة للاستخدام المعياري، كما يجادل أوستن ضد التمييز من خلال الاستئناف على حقيقة أنّ نفس أشكال التقييم قابلة للتطبيق على الكلام الظاهر من كلا النوعين فيقول: “….التعاسة…. يبدو أنّه يميز كلا النوعين من الكلام، وليس مجرد الأداء، كما يبدو أنّ مطلب التوافق أو تحمل بعض العلاقات مع الحقائق يختلف في حالات مختلفة حيث أنّه يميز الأداء”.
محاولات الإدلاء ببيان معرضة لكل من الأخطاء والانتهاكات، فعلى سبيل المثال قد تكون محاولة الإدلاء ببيان باستخدام عبارة: “فرنسا سداسية” غير ناجحة إذا لم يكن هناك بلد مثل فرنسا، أو إذا لم تكن هناك نوايا وأغراض مناسبة واضحة، وقد تكون المحاولة إساءة إذا فشل المتحدث في الاعتقاد بأنّ فرنسا سداسية.
محاولات الكلام الأدائي عرضة للتقييم سواء من حيث الحقيقة أو الباطل، أو من حيث المصطلحات التي تعتمد بشكل مشابه على التوافق مع الحقائق، أي قد يكون القول “أحذرك من أنّ الثور على وشك الاتهام” عرضة للنقد على أنّه خطأ وليس غير سعيد إذا لم يكن الثور على وشك الاتهام.
وبشكل عام غالبًا ما يكون من المستحيل تحديد ما إذا كان نطقهم عرضة لشكل أو آخر من أشكال التقييم فقط من الكلمات التي يستخدمها المتحدث، وهناك حالات مثل “أنا أصرح أنّ …” والتي يبدو أنّها ترضي جميع المتطلبات الشكلية والمعجمية لكونها أدائية، ومع ذلك تُستخدم في الأقوال التي هي بالتأكيد عبارة عن عبارات وهي بالتأكيد صحيحة أو خاطئة.