أدبيات

فلسفة المذهب النفعي

المذهب النفعي:

المذهب النفعي: هو أحد أقوى المقاربات وأكثرها إقناعًا للأخلاق المعيارية في تاريخ الفلسفة، على الرغم من عدم توضيحها بالكامل حتى القرن التاسع عشر حيث يمكن تمييز المواقف النفعية الأولية عبر تاريخ النظرية الأخلاقية، وعلى الرغم من وجود العديد من أنواع وجهات النظر التي تمت مناقشتها إلّا أنّ النفعية تُعتبر عمومًا وجهة نظر مفادها أنّ الإجراء الصحيح أخلاقيًا هو الإجراء الذي ينتج أفضل شيء.

وهناك العديد من الطرق لتوضيح هذا الادعاء العام، كما أنّ هناك شيء واحد يجب ملاحظته هو أنّ النظرية هي شكل من أشكال العواقبية (أي ما يتبع الفعل من نتائج)، حيث يُفهم الإجراء الصحيح تمامًا من حيث النتائج الناتجة، وما يميز النفعية عن الأنانية له علاقة بنطاق العواقب ذات الصلة، ومن وجهة النظر النفعية يجب على المرء تعظيم الصالح العام أي النظر في مصلحة الآخرين وكذلك مصلحتهم.

سمات المذهب النفعي:

حدد النفعيون الكلاسيكيون من مثل جيريمي بينثام وجون ستيوارت ميل، مفاهيم مثل الخير بسرور لذلك مثل أبيقور كانا من دعاة المتعة في القيمة، ورأوا أيضًا أنّه يجب علينا تعظيم الخير أي تحقيق أكبر قدر من الخير لأكبر عدد، وتتميز النفعية أيضًا بالحياد وحياد الوكيل، حيث سعادة الجميع لها نفس الأهمية، وعندما يعظم المرء الخير فهو الصالح الذي يؤخذ بعين الاعتبار بنزاهة، إذن  لا يهم أكثر من أي شخص آخر، وعلاوة على ذلك فإنّ السبب الذي يدفعني للترويج للصالح العام هو نفس السبب الذي يدفع أي شخص آخر للترويج للخير وإنّها ليست غريبة بالنسبة لي.

أثبتت كل هذه السمات لهذا النهج في التقييم الأخلاقي أو اتخاذ القرار الأخلاقي أنّها مثيرة للجدل إلى حد ما وأدت الخلافات اللاحقة إلى تغييرات في النسخة الكلاسيكية من النظرية.

نظرة عامة على فلسفة المذهب النفعي:

منذ أوائل القرن العشرين خضعت النفعية لمجموعة متنوعة من التحسينات، وبعد منتصف القرن العشرين أصبح من الشائع تحديد “العاقبة” لأنّ قلة قليلة من الفلاسفة يتفقون تمامًا مع وجهة النظر التي اقترحها علماء النفعية الكلاسيكية، لا سيما فيما يتعلق بنظرية قيمة المتعة، ولكن تأثير النفعيين الكلاسيكيين كان عميقًا وذلك ليس فقط في الفلسفة الأخلاقية ولكن أيضًا في الفلسفة السياسية والسياسة الاجتماعية، ويبقى السؤال الذي طرحه بنثام “ما الفائدة؟” هو حجر الزاوية في تشكيل السياسة، حيث إنّه سؤال علماني بالكامل وتطلعي، وإنّ التفصيل والتطوير المنهجي لهذا النهج لتشكيل السياسة يرجع إلى النفعيين الكلاسيكيين.

فلسفة جيريمي بنثام في المذهب النفعي:

طرح جيريمي بينثام الجزء الخاص بالحكومة في عام (1776)، بينما طرح الفلسفة النفعية السياسية “مقدمة لمبادئ الأخلاق والتشريع” (1789)، حيث كان بنثام ملحدًا ومدافعًا عن اقتصاديات عدم التدخل الجديدة لآدم سميث وديفيد ريكاردو، ولكنه ألهم فيض من التشريعات التي عالجت بعد مشروع قانون الإصلاح لعام 1832، ولكن أسوأ عواقب عدم الكفاءة في القرن الثامن عشر و ثورة صناعية، وعلاوة على ذلك انتشر تأثيره على نطاق واسع في الخارج، ففي البداية كان بينثام مصلحًا بسيطًا للقانون وهاجم مفاهيم العقد والقانون الطبيعي باعتبارها غير ضرورية، فكتب:

“الامتيازات البشرية غير القابلة للتدمير، فلا داعي لأن تُدعم على أساس رملي للرواية”.

دفاع الحكومة عملي وهدفه هو تحسين وإطلاق حرية الاختيار الفردية وممارسة قوى السوق التي ستخلق الرخاء، تمامًا كما يعتقد بنثام أن الرجال أكثر عقلانية وذكاءً منهم، ويتجاهل كل ما يمكن أن يثبت ولاء بالفطرة ورهبة من المسيحية والفكر الإنساني، ويرى بأنّ المجتمع لتقدمه لا بد ذلك عن طريق قياس اللذة والألم، وكما حاول في مقدمته كيفية قياسها اللذة والألم ومعرفة قيمتها، ويقارن الرضا النسبي بالصحة والثروة والسلطة والصداقة والصدقة وكذلك “شهية غاضبة” و “كراهية”، كما كان يعتقد أنّ العقوبة رادعة وليست عقوبة، وعزا الجريمة إلى الأذى الذي تسبب فيه للسعادة وليس إهانة لله أو التقاليد.

فلسفة جيمس ميل في المذهب النفعي:

يعتقد ميل الأفراد الاقتصاديين إذا تم اتخاذ قراراتهم بحرية سيكون دائمًا مناسبًا مصالحهم، وهو أيضًا يعتقد أنّ الجمع بين الاقتراع العام والتشريع النفعي للبرلمان السيادي سينتج نوعًا من السعادة والرفاهية التي يرغب فيها بنثام، وهذا من شأنه النظر إلى نفسية بنثام بأنّها ساذجة وكذلك نفسية جيمس ميل والد جون ستيوارت ميل الذي كان تلميذا لديه بأنّها صغيرة جداً، في كتابه حول الحكومة (1828)، أظهر ميل اعتقادًا نظريًا بأنّ الناخبين المثقفين يعتبرونه وسيلة للحكم الرشيد، بينما اعتبر اقتصاد عدم التدخل وسيلة للتناغم الاجتماعي.

فلسفة جون ستيوارت ميل في المذهب النفعي:

“العقيدة التي تقبل كأساس للأخلاق أو المنفعة أو مبدأ أعظم السعادة ترى أنّ الأفعال صحيحة بالتناسب لأنّها تميل إلى تعزيز السعادة، وهي خاطئة لأنّها تميل إلى إنتاج عكس السعادة، وبالسعادة المقصود اللذة وغياب الألم، وبالتعاسة والألم والحرمان من اللذة “.

جون ستيوارت ميل

كان جون ستيوارت ميل ابن جيمس ميل من أكثر الليبراليين صاحب نفوذ في منتصف العصر الفيكتوري، وقد تم إضفاء نوعًا من الإنسانية على هذا النهج النفعي، في حين أن جيمس ميل يبدو براغماتي تمامًا إلّا أنّ جون ستيوارت ميل يحاول الترويج لقيم أكثر تعقيدًا، لأنه يرى بأنّ اعتماد الحضارة يبنى على بعض الأفكار المبدعة في الممارسة الحرة للذكاء التأملي، كان لا يميل إلى الرأي العام التقليدي ولديه تخوف من أنّ الديمقراطية الكاملة بدلاً من التحرير سيصبح أكثر تقييدًا.

وفي منتصف القرن التاسع عشر ظهرت عددًا من الأصوات المتعصبة والعدائية للقوميين والطوباويين والثوريين، حيث الطبقة الوسطى الفيكتورية كان للأصوات الهادئة والقتالية أحيانًا في إنجلترا الفيكتورية تأثير كبير في دوائر الحكم في إنجلترا.

يعتقد جون ستيوارت أنّ الديمقراطية اتجاه حتمي وعبر عن وجهات نظر متفائلة وتقدمية للنخبة الفكرية، ويرى أنّ الحضارات تتضخم دون إعطاء حرية الكاملة بالرأي، ونوعية التقدم لا تأتي فقط من المنطقة العمى حيث قوة التنافس الاقتصادي بل أيضًا من اللعب الحر للعقل، إن القيمة طويلة المدى لبلد ما هي فقط قيمة الأفراد الذين يتألف منهم البلد، وبدون وجود العباقرة سيصبح المجتمع “نعمة ركود”، وخلافاً لوالده فإنّ هذا الإنسان يدرك مخاطر السلطة البيروقراطية وحتى الوجود، ويعلن أنّ الدولة التي لا تعطي قيمة لأفرادها ليس لها أهمية ثقافية.

مع الأخذ في الاعتبار اتفاقيات وممارسات منتصف العصر الفيكتوري التي ضاعت فيها القدرة إلى أن تكون المرأة قانونية ومتحررة اجتماعياً وهي الفكرة التي دعا إليها ميل في ذلك الوقت، كان يعتقد أنه يمكن تعليم الناس لقبول قيم الحرية والحضارة لكنه دعا إلى الملكية الخاصة وحافظ على التوسع السريع للسلطة البيروقراطية وامتيازات أخرى مثل السلطة.

نقد فلسفة المذهب النفعي:

افترض بعض الناس أنّ أولئك الذين يدافعون عن “المنفعة” كاختبار للصواب والخطأ يستخدمون هذا المصطلح في المعنى العامي المقيد الذي تعارض فيه “المنفعة” مفهوم المتعة، وهناك ملاحظة عابرة هي كل ما يجب إعطاؤه لهذا الخطأ الجاهل، حيث ربما يكون هذا احتجاجًا من بين أشياء أخرى، على سبيل المثال هناك من يرى أنّ من التعارض لما يأتي في منهج التعليم على ما هو “مفيد” وعارض بشكل قاطع أي نوع من المتعة.

ولا بد من أن معارضي للفلسفة المذهب النفعي يبدون ولو لفترة وجيزة أنّهم يعتبرونهم قادرين على سوء فهم باطل وربما يعد سخيفًا، ويعتبر من الخطأ الفادح غير العادي نظرًا لأنّ هناك اتهامًا آخر من التهم الشائعة ضد النفعية هو الاتهام المعاكس بأنّه يستند كل شيء على المتعة (مفهومة بشكل فظ للغاية)، حيث لاحظ أحد الكتّاب المقتدرين أنّ نفس النوع من الأشخاص وغالبًا نفس الأشخاص يشجبون النظرية على أنّها جافة بشكل غير عملي عندما تسبق كلمة المنفعة كلمة متعة وبأنّها عملية حسية للغاية عندما تكون كلمة متعة يسبق كلمة فائدة.

أولئك الذين يعرفون أي شيء عن هذه المسألة يدركون أنّ كل كاتب من أبيقور إلى بنثام الذي حافظ على نظرية “المنفعة” لا يقصد بها: شيئًا يتناقض مع المتعة ولكن المتعة نفسها جنبًا إلى جنب مع التحرر من الألم، حيث بدلاً من معارضة المفيد إلى المقبول أو الزخرف.

فقد أعلنوا دائمًا أنّ “المفيد” يشمل هذه الأشياء من بين أشياء أخرى، ومع ذلك فإن العامل المشترك بما في ذلك العديد من الكتاب – ليس فقط في الصحف والمجلات ولكن في الكتب ذات الطموح الفكري – يقعون دائمًا في هذا الخطأ السطحي، وذلك بعد أن أدركوا كلمة “النفعية” وهم لا يعرفون شيئًا عنها سوى صوتها، حيث إنّهم يعبرون عنها عادةً بإبعاد أو إهمال المتعة في بعض أشكالها مثل الجمال والزخرفة والتسلية.

وعندما يُساء استخدام مصطلح “المنفعة” عن جهل بهذه الطريقة فإنّه لا ينتقد دائمًا النفعية، حيث يحدث ذلك أحيانًا عندما يتم تكامل النفعية، بما أنّ الفكرة هي أنّ المنفعة هي شيء أعلى من الرعونة ومجرد ملذات اللحظة، في حين أنّها في الحقيقة تشملها، وهذا الاستخدام المنحرف هو الوحيد الذي تُعرف فيه كلمة “المنفعة” بشكل عام، وهو الاستخدام الذي يستمد منه الشباب الآن مفهومهم الوحيد عن معناها.

السابق
النهج الكلاسيكي في فلسفة المنفعة للفيلسوف جيريمي بنثام
التالي
الفلسفة السياسية للفيلسوف روسو

اترك تعليقاً