أدبيات

فلسفة الإكويني في التصور والفكر

إنّ التركيز بشكل خاص على الإدراك كالرؤية والشعور والسمع وما شابه، بحيث يثير لدينا سؤال في كيف يمكننا تحليله بشكل أفضل؟ وما هي أفضل طريقة لتحليل مجيء الرؤية والشعور والسمع وما شابه؟ وبالنظر إلى ذلك من خلال تشبيه التغيير كما تم تحليله بالفعل فإننا نبحث عن موضوع وحرمان أو عدم وجود وشكل، حيث إنّ موضوع الاستشعار هو حيواني، ولكن الموضوعات القريبة التي ينسبون إليها هي قوى البصر واللمس والسمع وما شابه.

كما يمكن وصف مثال الرؤية على أنّه انتقال القوة من عدم الرؤية إلى الرؤية، ونظرًا لأنّ هدف الرؤية هو اللون، فإنّ التغيير من عدم الرؤية إلى رؤية المشكلات في القوة التي لها شكل اللون بناءً على المفهوم الميتافيزيقي.

فعند وضع في الاعتبار تغييرًا جسديًا عاديًا أي مادة تكتسب لونًا، فإنّ رؤية اللون ليس هو نفس النوع من التغيير الجسدي مثل مادة تكتسب لونًا، ومن المؤكد أنّه في حين أنّ هناك تغييرات جسدية تدخل في الإحساس، بحيث يتم تغيير الأعضاء بالطريقة التي تكون بها الأجسام المادية، فإنّ هذا ليس التغيير الذي ينطوي عليه الإدراك على هذا النحو.

ومرة أخرى عند وضع في الاعتبار أنّه عند الشعور بجسم دافئ أو بارد، تتغير درجة حرارة اليد من خلال التلامس، ولكن الشعور لا يمكن أن يكون ذلك فقط لأنّ أي جسمين جسديين يتلامسان يخضعان لتغير مماثل في درجة الحرارة، ولكن ليس كل الأجسام الجسدية تشعر بالحرارة، حيث أنّ الشعور بالحرارة وإدراكها هو نوع آخر من التغيير، على الرغم من أنّه ينطوي على تغيير معاصر في أعضاء الإحساس يشبه التغيير الجسدي العادي.

وبالتالي فإنّ وجود اللون أو درجة الحرارة بهذا المعنى الإضافي يُعرف ويسمى بالرجوع إلى التغيير المادي، ويتمثل الاختلاف الأساسي بين طريقتين لاكتساب النموذج في في التغيير المادي للون الذي ينتج عن التغيير مثيل رقمي جديد للون، وعند استيعاب لون أو استشعار لا ينتج عن مثيل جديد عدديًا أو رقميًا للون.

ومع ذلك فإنّ ما كان يمكن رؤيته يصبح مرئيًا بالفعل، وهناك حقيقة في العالم حيث لم يكن هناك من قبل سوى الاحتمالية وهي حقيقة للون المرئي، كما أنّ واقعية اللون ليست في نمط وجود هذا اللون في الأشياء المادية.

فلسفة الإكويني بين مفهومي الإحساس والإدراك:

إذا كان اكتساب الشكل عن طريق المادة في التغيير المادي ينتج عنه حالة جديدة للشكل، ولكن هذا ليس هو الحال مع الإدراك إذ يمكننا أن نوضح أنّ اكتساب الشكل في الإحساس لا يتطابق مع اكتساب الشكل بالمادة بالمعنى الأساسي، وهكذا نريد أن نتحدث عن موضوع الإحساس على أساس التشابه مع التغيير الجسدي وتمييز الأول عن الأخير.

يتم ذلك من خلال التحدث عن الاستقبال غير المادي لنموذج ما، ومع ذلك يتم تنفيذ قوة الحس في عضو مادي وبالتالي فهي مهمة لتغيير الشكل في الإحساس بمعنى مماثل، لأنّه في الإحساس يتم تغيير عضو الإحساس جسديًا، ومسألة الإحساس بهذا المعنى المماثل، حيث يمكننا أن نقول أنّ الإحساس الفعلي هو في بعض النواحي جسديًا وليس في أخرى.

من المهم الانتباه مرة أخرى إلى ترتيب التعلم والتسمية، وما يحق القول في هذه المرحلة عن استخدام الكلمات التي ينطوي عليها وصف هذا التغيير، وعلى وجه التحديد يتم تقديم استخدام (غير مادي) لمجرد تحديد عدم كفاية أي تحليل للإحساس الذي يقتصر فقط على المصطلحات المادية المناسبة تمامًا لتحليل التغيير المادي العادي الذي لا يتضمن الإحساس.

فمصطلح (غير مادي) يعني لا مادي، ولكن مجرد قابلية تطبيق مثل هذا المصطلح السلبي والذي ما يسميه أرسطو مصطلح سالب لانهائي، لا يبرر التفكير في أننا اكتشفنا خاصية جديدة يمكن الإشارة إليها بمصطلح غير مادية، فلا ينتقي نوعًا معينًا من الممتلكات ويطلق عليه اسمًا، وأكثر من مجرد قابلية تطبيق (ليس بشري) يبرر لنا التفكير في أننا اكتشفنا نوعًا جديدًا من الجوهر، فمثل هذه المصطلحات السلبية اللانهائية لا تقطع مفاصل الواقع.

فلسفة الإكويني في مفهوم الفكر:

في تفسيره لكتاب أرسطو عن الروح (De anima) يدافع توماس عن وجهة نظر كانت موضع خلاف في عصره ولربما كانت يتيمة في هذا العصر، حيث من بين مبادئ ما يسمى بالرشدية اللاتينية كان الرأي الذي تبناه في البداية ابن رشد بأنّ الانتقال من الأفعال الإدراكية إلى الفكر ليس واحدًا من مجموعة أقل إلى مجموعة أعلى من قدرات أو ملكات الروح البشرية.

ويقارن أرسطو الفكر بالإدراك ويجادل بأنّ الأول لا يستخدم عضوًا حاسيًا لأنّه لا يعرض أيًا من خصائص الإدراك التي تستخدم العضو، وبالتالي بقدر ما يمكن القول أنّ الإحساس مادي في بعض النواحي وفي حالات أخرى غير مادي، فإنّه يقال إنّ الفكر غير مادي تمامًا.

ولكن من وجهة النظر اللاتينية الرشدية لا يشير أرسطو بالتالي إلى قدرة أخرى للروح البشرية وهي العقل، بل يشير إلى كيان منفصل بفضل عمله ينخرط البشر فيما نسميه التفكير، ولكن سبب هذا العقل الفاعل وليس من ملكة الروح، وقد ميز أرسطو بين عقلين على الأقل وهما منفعل وفعال.

إنّ إثبات الاستقامة التي تنتج عن نشاط لا يوظف عضوًا ماديًا هو إذن بيان حول عدم قابلية هذا الكيان المنفصل للفساد، وليس أساسًا للحجة بأنّ كل روح بشرية غير قابلة للفساد لأنّها تمتلك القدرة على أداء أنشطة غير مادية، وبالتالي نفى أتباع الرشدية اللاتينية أنّ أرسطو علم الخلود الشخصي.

بالنظر إلى هذه النتيجة فإنّ اعتماد توماس للتفسير المعاكس، بمعنى قد يبدو أنّ العقل الفاعل مثل العقل المحتمل، حيث أنّ ملكة النفس البشرية هي مجرد رغبة مهتمة في حشد دعم أرسطو لموقف يتناغم مع الإيمان المسيحي، وكثيرا ما يقال أنّ الفيلسوف توماس الأكويني قد عمد أرسطو وهو ما يبدو أنّه يعني أنّه قام بتثبيته على سرير إحداث التجانس بالعنف للعقيدة المسيحية.

وبطبيعة الحال فإنّ النظرة المسيحية الكاملة ليست مجرد أنّ الروح تنجو من الموت، ولكنها ستجتمع مرة أخرى بالجسد ولا يشير توماس في أي مكان إلى وجود أي تلميح بهذا في أرسطو، ومن الغريب أنّ أصدقاء توماس غالبًا ما يقترحون أنّه استخدم أرسطو فقط ولم يكن مهتمًا بشكل رئيسي بما قد يقصده أرسطو بالفعل.

ومع ذلك فهذه طريقة استثنائية لقراءة فلسفة الفيلسوف توماس الأكويني، حيث تم اتهامه بأنّه أخطأ في مقطع ما، من حيث أنّه تظاهر بأنّ ذلك يعني شيئًا يعرف أنّه لا يعنيه، مع ذلك فإنّ النقطة المهمة هي ما إذا كانت قراءة توماس مدعومة بالنص أم لا، وعندما علق على كتاب أرسطو عن الروح (De anima)، يبدو أنّه غير مهتم بالاندلاع في باريس حول الرشدية اللاتينية.

وهذا هو الأساس لتأريخ الشرح عام 1268 قبل أن يعود توماس إلى باريس، والذي بناءً عليه لا يمكن قراءة التعليق كما لو كان الدافع وراءه الجدل، وبالطبع قد لا يزال البعض يقول أنّ توماس كان لديه اهتمامات طويلة المدى في ترويض أرسطو للتصرف بطريقة مسيحية.

وعلى العكس من ذلك كما يحدث خلال الفترة الباريسية الثانية في خضم الجدل اللاتيني الرشدي، حيث كتب توماس كتابًا مخصصًا للسؤال التالي: ما الذي علمه أرسطو بالفعل؟ ويُدعى العمل في اللاتينية (De unitate intellectus counter Averroistas)، والذي يعني حول وحدة التفاهم معارضة الرشدية، وهذا العمل الصغير ضروري للغاية لتقييم طبيعة أرسطو لتوماس.

حيث يقدم تحليلًا نصيًا موسعًا لإظهار أنّ التفسير المنافس لا يمكن أن يدعمه النص، وأنّ القراءة المتماسكة الوحيدة لـ (De anima) يجب أن تنظر إلى الفاعل والعقول المحتملة أو المنفعلة على أنّها ملكات الروح البشرية، والتي قد يكون تفسيره صحيحًا أو خاطئًا ولكن يجب تحديد الأمر على أساس التفسير النصي وليس الملاحظات الغامضة حول نوايا توماس.

السابق
فلسفة الأكويني في مفهوم الوجود
التالي
فلسفة الأكويني في القانون الطبيعي

اترك تعليقاً