“البشر لديهم قدرات أعلى من شهوات الحيوانات، وعندما يدركونها ذات مرة لا تعتبر أي شيء على أنّه سعادة لا يشمل إشباعهم، وأنا لا أعتبر الأبيقوريين بأي حال من الأحوال بلا عيب في استخلاص مخططهم من العواقب من المبدأ النفعي، وللقيام بذلك بأي طريقة كافية يجب تضمين العديد من العناصر الرواقية وكذلك المسيحية، ولكن لا توجد نظرية أبيقورية معروفة عن الحياة لا تحدد ملذات العقل والمشاعر والخيال والمشاعر الأخلاقية فهناك قيمة أعلى بكثير من الملذات من مجرد الإحساس”.
جون ستيوارت ميل
فلسفة ميل في الأخلاق القانونية:
إنّ جون ستيوارت ميل يبدو وكأنه يرفض الأخلاق القانونية بشكل قاطع، والليبراليون المليون الآخرون مثل جويل فاينبرغ (Feinberg) يعاملون رفض الأخلاق القانونية على أنّه التزام تأسيسي لليبرالية، وبالطبع يهتم قدر كبير من الأخلاق بمنع الضرر، وكذلك الأحكام المركزية للقانون الجنائي التي تحظر القتل والاغتصاب والاعتداء والسرقة معنية بشكل واضح بمنع الأخطاء الأخلاقية الخطيرة التي تضر بالآخرين.
وهذا يعني أنّ الكثير من القانون الجنائي يمنع الضرر ويفرض الأخلاق، وهذه ليست مجرد نتائج مصادفة حيث أنّ الكثير من لا أخلاقية السلوك الإجرامي يكمن في ضرره، وقد يجعلنا هذا نتساءل عما إذا كانت هناك حالات أخلاقية قانونية لا يمكن تبريرها بالاستئناف إلى مبدأ الضرر.
وحتى لو كان هناك تداخل كبير بين السلوك الضار والخطأ فإنّه يمكن التمييز بينهما، وكان الجدل التقليدي حول الأخلاق القانونية بين ديفلين (1965) وهارت (1963) يتعلق بالتطبيق التشريعي للأخلاق الجنسية على وجه الخصوص تنظيم المثلية الجنسية والبغاء والمواد الإباحية.
وبالنسبة للجزء الأكبر أقر الجانبان بأنّ هذه الأنشطة غير أخلاقية ولكنها غير ضارة وتناقشا حول ما إذا كان من الممكن تنظيمها من أجل فرض الأخلاق الجنسية، ولكننا قد نرفض مقترحات ديفلين الأخلاقية ليس لأننا نرفض الأخلاق القانونية في حد ذاتها ولكن لأننا لا نعتبر المثلية الجنسية أو الدعارة أو المواد الإباحية غير أخلاقية في حد ذاتها.
وإذا كان هؤلاء هم المرشحون الوحيدون لارتكاب أخطاء غير ضارة فقد نتساءل عما إذا كان هناك شيء من هذا القبيل، ولهذا السبب قد نفكر في حالة أقل إثارة للجدل من الفجور غير المؤذي، فعلى سبيل المثال حالة الإخلال بالوعد أو الخداع الذي يفشل في الواقع في إحداث ضرر، ولنفترض أنّ أحد الشبان أخذ سيارة والديه دون إذنهما ولكن لم يحدث شيء غير مرغوب فيه فهنا قضية مخالفات غير ضارة، وهنا تأمل هذه الحجة للتشريع الأخلاقي:
- المجتمع لديه سبب يمنع السلوك غير الأخلاقي سواء كان يسبب ضررًا أم لا.
- يعتبر أخذ هذا الشاب لسيارة والديه بدون إذن الوالدين حالة من المخالفات غير الضارة.
- يحق للمجتمع حظر سلوك المبتدئين.
من المفترض أنّ الليبراليين سيرفضون (3) مدّعين أنّ هذه حالة لا ينبغي للقانون أن يتدخل فيها، وهنا قد يبدو أننا بحاجة إلى رفض الافتراض الأخلاقي في (1) من أجل تجنب الاستنتاج غير الليبرالي في (3)، وفي الواقع يميل الكثير من الناس إلى الاعتقاد بأنّه لتجنب الاستنتاجات غير الليبرالية حول التشريع الأخلاقي يجب على المرء أن يرفض الأخلاق القانونية على هذا النحو.
لكن الحجة غير صحيحة مما يترتب على ذلك أنّه لا يمكننا اللجوء إلى زيف الاستنتاج غير الليبرالي لرفض الفرضية الأخلاقية، ويؤكد المبدأ الأخلاقي القانوني (1) فقط سببًا أوليًا أو ظاهريًا للتنظيم، ولكن السبب المؤيد للتنظيم لا يستلزم سببًا مدروسًا للتنظيم، وعلى وجه الخصوص حتى إذا كان هناك سبب ما لتنظيم السلوك فقد تكون هناك أسباب تعويضية لعدم تنظيمه.
وربما تتجاوز تكاليف التنظيم – الإدارية وغير الإدارية – فائدة التنظيم، ولكن هذا يوضح أنّ الأخلاقي القانوني لا يحتاج إلى تنظيم جميع المخالفات غير الضارة، وهذا يدل على أنّه ليس من الضروري رفض الأخلاق القانونية على هذا النحو للدفاع عن بعض الاستنتاجات الليبرالية، ولا يعني هذا أنّ رفض ميل للأخلاقيات القانونية خطأ فقط لأنّه ليس من الضروري تقديم معظم استنتاجاته الليبرالية.
أنواع ادعاءات الأخلاقية القانونية في فلسفة ميل:
يجب علينا التمييز بين الادعاءات الأخلاقية القانونية الأقوى والأضعف:
- الأخلاق الضعيفة: خطأ الفعل هو سبب مناسب لتنظيمه.
- الأخلاق القوية: خطأ الفعل هو سبب قاطع لتنظيمه.
كما رأينا للتو فإنّ الادعاءات الليبرالية بأنّ الفساد الأخلاقي غير المؤذي لا ينبغي تنظيمه متعارض مع الأخلاق القوية ولكن ليس مع الأخلاق الضعيفة، ومن الواضح أنّ ميل يرفض الأخلاق القوية، وما هو أقل وضوحًا هو ما إذا كان يرفض أيضًا الأخلاق الضعيفة، حيث يجب أن نؤيد الأخلاق الضعيفة إذا اعتقدنا أنّ هناك حالات من المخالفات غير الضارة حيث لا يكون التنظيم القانوني مبررًا بشكل مؤقت فحسب بل أيضًا مبررًا بشكل متوازن.
قد تكون أي قائمة مثيرة للجدل ولكن يعتقد الكثير من الناس أنّه ليس مسموحًا فحسب بل إنّه من المرغوب أيضًا تنظيم المحاولات الإجرامية الفاشلة والاحتيال والابتزاز التي لا تضر وتدنيس الموتى والحيوانية، وإذا كان يجب تنظيم أي من هذه الأمور فقد يتطلب ذلك أخلاقيات قانونية ضعيفة.
فلسفة ميل في إعادة النظر في نهج الفئوية:
إنّ مبدأ واحد بسيط للغاية لميل وهو إمكانية تقييد الحرية دائمًا وفقط لمنع إلحاق الأذى بآخر مفرط في البساطة، وكذلك الحال أيضًا مع النهج القاطع المتعلق بالحرية الذي يوافق على جميع تطبيقات مبدأ الضرر ويرفض جميع حالات الأبوة والرقابة وتنظيم الجرائم والأخلاق القانونية.
إنّ مبدأ الضرر نفسه معقد من عدة نواحٍ، حيث إنّ إيذاء الآخرين ليس سببًا كافيًا لتقييد الحرية، بل إنّه يخلق سببًا مؤيدًا لتقييد الحرية، ويعتمد تحديد ما إذا كانت القيود المفروضة على السلوك الضار مبررة تمامًا على الموازنة بين شرور التنظيم والضرر الذي يجب منعه.
علاوة على ذلك ليس من الواضح ما إذا كان مبدأ الضرر يبرر تقييد الحرية لمنع الآخرين من التعرض للأذى أو يبرر فقط تقييد الحرية لمنع أولئك الذين يتم تقييد حريتهم من التسبب في ضرر للآخرين، والأساس المنطقي المضاد للأذى لتقييد الحرية أضيق من منطق منع الضرر، وفقط المنطق الأوسع للوقاية من الضرر هو الذي يفسر كيف يمكن أن يأمل ميل في التوفيق بين قوانين السامري الصالح والقوانين التي تلزم الشهادة في المحكمة بمبدأ الضرر، لأنّ مبدأ منع الضرر أوسع، وذلك لإنّه يبرر فرض قيود أكبر على الحرية من مبدأ مكافحة الأذى.
كما أنّه من غير الواضح ما إذا كان مبدأ الضرر يحمي كل الحريات أو الحريات الأساسية فقط، كما يكون مبدأ الضرر أقوى إذا كان يستهدف القيود المفروضة على الحريات الأساسية بدلاً من الحرية في حد ذاتها، ولكن إذا وصفنا مبدأ الضرر بهذه الطرق فإننا بعيدون جدًا عن القراءة التحررية المشتركة لمبدأ الضرر على أنّه يحد من أي وكل الحرية فقط لمنع القوة أو الاحتيال.
على الرغم من حل هذه الأسئلة فمن المشكوك فيه أنّ مبدأ الضرر ضروري لتبرير القيود على الحرية، حيث يقدم ميل استثناءات مبدئية لمناهضته العامة للأبوية للدفاع عن جواز القيود المفروضة على بيع نفسه للعبودية وأشكال الأبوة الأخرى التي تعزز الاستقلال الذاتي، كما يسمح ميل ببعض أشكال تنظيم الجرائم المصممة لمنع الفحش العلني.
وعلاوة على ذلك على الرغم من أنّ ميل يبدو أكثر اتساقًا في معارضته للأخلاقيات القانونية فليس من الضروري رفض الأخلاق القانونية على هذا النحو من أجل الاعتراف بالاستنتاج الليبرالي بأنّ العديد من أشكال الأخلاق القانونية لا تفعل ما يكفي من الخير لتبرير الأضرار التي تسببها.
كما أنّ الوقاية من الضرر ليست ضرورية ولا كافية لتقييد الحريات الفردية، ومع ذلك قد يجادل المرء في أنّ ميل يعترف بالحريات الأساسية باعتبارها مصالح مهمة بشكل خاص لا يمكن التدخل فيها إلّا لمنع إلحاق الأذى بالآخرين أو لمنع حدوث ضرر كبير على وكالة الفرد.