بعد تطوير نظرية اسمية للغة في كتاب الفيلسوف الفرنسي بيتر أبيلارد (Logica Ingredientibus)، طبّق هذا التحليل على الثالوث مجادلاً بأنّ الجوانب قد تم إلقاء الضوء عليها في فكرة أفلاطون عن روح العالم، كما تم إلقاء الضوء عليها من قبل الأنبياء.
علم ديالكتيك لدى أبيلارد:
لقد كان أبيلارد عالمًا متجولًا متخصصًا في المنطق بحيث فضّل أي النقاش العقلاني أو كما وصفها بأسلحة الديالكتيك على كل تعاليم الفلسفة الأخرى، ومسلحًا بها اختار صراعات الخلاف بدلاً من جوائز الحرب، كما بدأ يسافر في عدة مقاطعات متنازعًا عليها مثل فيلسوف متجول حقيقي أينما سمع أنّ هناك اهتمامًا كبيرًا بفن الديالكتيك، فقد أسس بيتر أبيلارد شهرته في البداية في الديالكتيك كما يصف في كتابه تاريخ المصائب (Historia calamitatum).
على الرغم من أنّ شهرة بيتر أبيلارد في البداية استندت إلى نجاحه كمدرس للمنطق، إلّا أنّه في غضون بضعة عقود استبدلت تعليقاته على المنطق في أعماله الفلسفية (Introductiones parvulum) و (Logica ingredientibus)، بالإضافة إلى أطروحته الخاصة الديالكتيكا بميتافيزيقيا أرسطو.
كما أنّه بالرغم من أنّ العديد من أعمال بيتر أبيلارد في المنطق قد كتبت في وقت لاحق من حياته إلّا أنّه يبدو أنّ تفكيره في هذا الموضوع قد تشكل في الفترة المبكرة من الدراسة والتعليم، ففي النهاية كان عليه أن ينتج مجموعتين من اللمعان على أجزاء من منطق أرسطو كانت معروفة آنذاك وهما الفئات لأسطو والتفسيرات، كما أنّه تخلى عن المعاهدات المنطقية لبورفيري وبوثيوس، وتم جمع الكثير من هذه المواد معًا في نهاية المطاف في عمل موسع بعنوان ديالكتيكا.
منطقية الفيلسوف أبيلارد:
كان أبيلارد أعظم منطقي منذ العصور القديمة فهو قد ابتكر منطقًا افتراضيًا وظيفيًا بحتًا، ومعترفًا بالتمييز بين القوة والمحتوى الذي يتم ربطه بالفيلسوف جوتلب فريجه، ووضع نظرية كاملة للاستدلال لأنّها تعمل في الجدل والتي نأخذها الآن على أنّها نظرية النتيجة المنطقية، ونظامه المنطقي معيب في تعامله مع الاستدلال الموضعي، ولكن هذا لا ينبغي أن يمنع الاعتراف بإنجازات أبيلارد.
يلاحظ أبيلارد أنّه يمكن التعبير عن نفس المحتوى الافتراضي بقوة مختلفة في سياقات مختلفة، حيث يتم التعبير عن محتوى سقراط في المنزل في تأكيد في جملة: “سقراط في المنزل“، وفي سؤال في “هل سقراط في المنزل؟”، وفي أمنية في جملة: “لو كان سقراط فقط في المنزل!” وهكذا.
ومن ثم يمكن لأبيلارد أن يميز على وجه الخصوص القوة الحازمة للجملة من محتواها الافتراضى، وهو تمييز يسمح له بالإشارة إلى أنّ الجمل المكونة في العبارة الشرطية لم يتم تأكيدها، على الرغم من أنّها تحتوي على نفس المحتوى الذي تمتلكه عند التأكيد وذلك في جملة: “إذا سقراط في المطبخ، ثم سقراط في المنزل”، فلا يؤكد أنّ سقراط موجود في المطبخ أو أنّه في المنزل ولا السابق أو الذي يترتب عليه، على الرغم من أنّه يمكن استخدام نفس الشكل من الكلمات خارج نطاق الشرط لعمل مثل هذه التأكيدات.
وبالمثل فإنّ التمييز يسمح لأبيلارد بتعريف النفي والروابط الافتراضية الأخرى والحقيقة المحضة وظيفيًا من حيث المحتوى بحيث يتم التعامل مع النفي، على سبيل المثال الجملة على النحو التالي: (not-p) هو خطأ أو صحيح إذا وفقط إذا كان (p) صحيحًا أو خاطئًا.
نظرية الاستدلال الموضعي لدى أبيلارد:
تم العثور على مفتاح نظرية الحجة بالنسبة لأبيلارد في الاستدلال، وأفضل ما يتم تقديمه على أنّه استنتاج لأنّ أبيلارد يتطلب أن تكون الصلة بين المقترحات المعنية ضرورية وذات صلة، وهذا هو الاستنتاج وبصورة أدق معنى العبارة النهائية مطلوب من خلال معنى العبارة أو العبارات السابقة بحيث لا يمكن أن تكون غير ذلك، وغالبًا ما يتحدث أبيلارد عن معنى العبارة النهائية الواردة بمعنى العبارة أو العبارات السابقة بقدر ما نتحدث عن الاستنتاج الوارد في الافتراضات، يكون الاستنتاج كاملًا أو مثاليًا عندما يتمسك بحكم الشكل المنطقي (معقد) للقضايا المعنية.
يخبرنا أبيلارد بهذا أنّه يعني أنّ الاستحقاق ينطبق تحت أي استبدال موحد في شروطه وهو المعيار المرتبط الآن بالفيلسوف برنارد بولزانو (Bernard Bolzano)، حيث إنّ الأرقام والحالات المزاجية الأربعة التقليدية للقياس المنطقي المستمد من أرسطو، وعقيدة القياس المنطقي الافتراضي المشتق من بوثيوس، كلها أمثلة على الاستنتاجات الكاملة أو كما ينبغي أن نقول استنتاج صحيح.
هناك طريقة أخرى يمكن من خلالها أن تكون الاستنتاجات ضرورية وذات صلة بفرضيتاها، ولكنها ليست صالحة رسميًا (لا تكون استنتاجًا كاملاً)، وقد يكون الارتباط الضروري بين الافتراضات والارتباط بين حواسهم، ودالة للحقائق الميتافيزيقية غير الرسمية الموجودة في جميع العوالم الممكنة، على سبيل المثال يعتبر البشر نوعًا من الحيوانات وبالتالي فإنّ النتيجة في الجملة: “إذا كان سقراط كائنًا بشريًا وسقراط حيوانًا” تحمل بالضرورة وإحساس السوابق بما يترتب على ذلك، ولكنها غير صالحة رسميًا في ظل الاستبدال الموحد.
يأخذ أبيلارد مثل هذه الاستنتاجات غير المكتملة للاحتفاظ بها وفقًا لنظرية الموضوعات، وذلك لتكون أشكالًا لما يسمى بالاستدلال الموضعي، ويتم التحقق من صحة نموذج الاستدلال أعلاه من خلال موضوع (من النوع)، وهو مجموعة من العلاقات الميتافيزيقية واحدة منها يمكن التعبير عنها في القاعدة وهي: “أيًا كان النوع الذي يُسند إليه وكذلك الجنس” الذي يؤسس القوة الاستنتاجية للاستدلال.
أكد أبيلارد ضد الفيلسوف الروماني بوثيوس أنّ القواعد الموضعية كانت مطلوبة فقط للاستدلال غير الكامل، وعلى وجه الخصوص ليست مطلوبة للتحقق من الحالة المزاجية الكلاسيكية للقياس المنطقي الفئوي والافتراضي المذكور سابقًا.
يبذل أبيلارد قدرًا كبيرًا من الجهد لاستكشاف تعقيدات نظرية الاستدلال الموضعي، خاصةً رسم العلاقات الدقيقة بين الجمل الشرطية والحجج وما يسميه (الجدل) ويعد تقريبًا ما يتبع من الافتراضات المعترف بها، وإحدى النتائج المدهشة لتحقيقه هي أنّه ينفي وجود علاقة متبادلة بين نظرية الاستنتاج، مؤكداً أنّ الحجة الصحيحة لا تحتاج إلى أن تتوافق مع جملة شرطية مقبولة ولا على العكس من ذلك نظرًا لاختلاف متطلبات الحجج والشروط.
في النهاية يبدو أنّ مبادئ أبيلارد للاستدلال الموضعي لا تعمل، وهي حقيقة أصبحت واضحة فيما يتعلق بموضوع (من الأضداد)، بمعنى أنّها تؤدي مبادئ أبيلارد إلى نتائج غير متسقة وهي نتيجة لاحظها ألبيريك (Alberic) من باريس وهو أحد المعلمين البارزين للمنطق في باريس في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الحادي عشر.
أدى هذا إلى أزمة في نظرية الاستدلال في القرن الثاني عشر، حيث حاول أبيلارد تجنب الصعوبة ولكن دون جدوى، كما يبدو أنّ هذه المناقشات قد حدثت في الجزء الأخير من ثلاثينيات القرن الحادي عشر، حيث كان أبيلارد على وشك الانخراط مع القديس برنارد من كليرفو (Bernard of Clairvaux) وكان اهتمامه في مكان آخر.