أدبيات

فلسفة الحب عند الفلاسفة

ليس هناك شك بأن الحب من أمتع وأجمل التجارب التي يعيشها الإنسان، ومع ذلك هناك القليل من الأبحاث التي تدرس نشأة الحب ونموه وأصله في الطبيعة، لقد ظهرت العاطفة في ألوان الأدب المختلفة من شعر ومسرحيات وأناشيد وغيرها، ولكن هل ينبوع ماء الحب يتدفق من حب الرجل لجمال المرأة؟ أم أنّ حب الرجل للمرأة يخلق جمالها؟ ولماذا الحب؟، وغيرها الكثير من التساؤلات التي حاول الفلاسفة الإجابة عليها.

ما هو الحب؟

يمكن تلخيص ما جاء في تعريف الحب عند الفلاسفة بأنها كلمة لها علاقة بشيء غير محسوس ولا يمكن تفسيره منطقياً، وينتج من أفعال مكتسبة أو غريزية أو انفعالية سواء بشكل واقعي أو تخيلي، تترافق بحالة من نوبات الرغبة التي لا نهاية لها، بحيث يكون هناك طرفان وهما الطرف الأول العاشق والآخر المعشوق، يعيشان حالة من الحب عن طريق انجذابهما لبعضهما بكتلة من المشاعر والعواطف الجيّاشة، فيشعر كل منهما باللذة سواء عند لقائهما أو عند التفكير ببعضهما.

نحن نحب الناس لأسباب مختلفة وبطرق مختلفة، لفهم الحب الذي نشعر به تجاههم، يجب علينا أن نفهم لماذا نحبهم وكيف، ولعل أفضل طريقة للقيام بذلك هي عن طريق الفلسفة.

أنواع الحب كما صنّفها الفلاسفة:

لقد أثّرت فلسفة الحب التي صاغها الفلاسفة اليونان العظماء في نظرتنا إلى الحب والعلاقات، فسمحت لنا بتقدير وفهم علاقاتنا مع بعض والتمتع بها، فهناك الكثير من المفاهيم التي تدور حول فلسفة الحب، وسيتم ذكرها بأربعة أنواع رئيسية وضعها الفلاسفة حول فلسفة الحب.

  • الحب فيليا philia : وهي العاطفة التي نشعر بها اتجاه أصدقائنا، وصاحب هذه النظرة من الحب هو فيلسوفنا أرسطو، حيث يرى أرسطو أنه تنشأ علاقة بين الأصدقاء مدى الحياة في أحد المجتمعات التي تربطهم دينياً، أو بين أفراد ينتمون لنفس القبيلة، ويكون الحب بينهم متبادلاً ومتوافقاً بشكل جيد في رغبة وتمنّي الأفضل للطرف الآخر دون اهتمام بما هو مناسب وأفضل للطرف الأول.

“لن يختار أحد العيش بدون أصدقاء” فهي ضرورية للوصول إلى السعادة التي يسعى لها الفرد.

أرسطو.

  • الحب إيروس Eros : هو حب العاطفة الجيّاشة والمكثفة، يحصل عندما يشعر الفرد بالرغبة والحب العاطفي، وهو يمثّل العلاقة بين العاشقين والحبيبين، وذكر في الأساطير اليونانية أنّ أيروس هو إله الحب والجنس، لذلك كانو يفضّلون الابتعاد عنه لخطورته وفقدان السيطرة، لذلك حاولوا عدم إعطاء هذا النوع الأهمية كبيرة بسبب سطحيته وتقلبه.
    وأفلاطون هو مؤسس هذا النوع من الحب وبالرغم من رؤيته المعقدة نوعاً ما لهذا النوع إلّا أنّه ألهم العديد من الفلاسفة الباحثين في فلسفة الحب، فيرى في هذا النوع من الحب بأنّه يساعد الروح لدى الفرد للوصول إلى الصورة النقية وأكثرها مثالية برسم وتذكر الجمال فيتم تقدير جمال الطرف الآخر، ويبحث العاشق عن الجمال الداخلي لمعشوقه، فيخّلد الجمال ويصلان الطرفان إلى السعادة التي ينشدونها بإيجادهم الحقيقة في شريكم والشكل المثالي للجمال.
  • الحب أغابي Agape: هو أعلى أشكال الحب وأكثرهم كمالاً، ويعتبر من أقدم أنواع الحب عبر التاريخ، فيعود أصله إلى زمن هوميروس، ويعرف أيضاً باسم حب الله، بالإضافة لما يعرف هذا النوع بحب نكران الذات.
    هوميروس هو المفكر الرئيسي لهذا النوع، وقد امتثل به العديد من الفلاسفة ومنهم كانط، وتقوم رؤية هذا النوع على تجسيد علاقة بين الفرد وبين الله، فعُرف في المفاهيم الحديثة بأنه الحب الخيري، فتظهر المودة والإحترام والشرف للطرف الآخر.
  • الحب ستورج storge : هو الحب الذي ينشأ بين أفراد الأسرة والأصدقاء والحيوانات الأليفة، والتي مع مرور الوقت يصبح الإتصال مع الأطراف الآخرى أعمق وأقرب إلى الحب الغريزي والحميم، لذلك هو أحد أشكال الحب الطبيعية، وهو على نطاق أوسع وأكبر من الحب فيليا، بحيث أنه غالباً يكون جزء من جميع أنواع الحب، فينمو ويتطور مع الوقت بين الأطراف فيؤدي إلى تكوين علاقات وروابط عاطفية متأصلة وعميقة.
    سي إس لويس C. S. Lewis هو واضع ومؤسس هذا النوع من الحب، فيرى لويس أنّ هذا النوع يوجد الولع والألفة بين الأطراف، عن طريق تخزين الحب الذي يسمح به الوقت مع مروره فيصبح كلا طرفين على معرفة كافية لتتولد مشاعر التعاطف فيما بينهم عندما يفرحون أو يحزنون والولع بينهم.

أشهر كتب فلسفة الحب:

طوق الحمامة في الألفة والأُلّاف:

مؤلفه الإمام بن حزم ظاهري الأندلسي، يأخذ القارئ برحلة فلسفية مثيرة وممتعة بأسلوب قصصي ومجموعة من الحكايات والأشعار عن الحب والعاشقين، فيصف العاشق وتفاصيل حبه من وصال وهجران، وقبول ورفض وعناد المحبين، وأنواع ودرجات الحب، بعدما درس وبحث بن حزم العاطفة والحب الإنساني بمظاهره وأسبابه، وتميّز بدقته وروعته لذلك تُرجم الكتاب إلى عدة لغات عالمية.

هل تحصل على الحب الذي تريده:

هل تحصل على الحب الذي تريده؟ للكاتب د.هارفللي هيندركس Harville Hendrix، حيث يرى الكاتب في فلسفته عن الحب بأنّ مشاكل بين الأطراف في علاقتهم تأتي وتنمو من الطفولة لدى الطرفين، فهو يرى أن الطفولة هي المعيار لنجاح أو فشل العلاقات.

وجاء ذلك من تجربته الشخصية من فشل علاقة سابقة له، فشعر بالفشل بشكل أعمق وأقوى نتيجة عملة فترة طويلة في مجال الإستشارات الزوجية لرؤيته العديد من الأزواج التي كانت علاقتهم غير مرضية للطرفين ويوجد فيها مشاحنات تطفئ الحب الذي بينهم، فكتب هذا الكتاب لمساعدة الأزواج للحصول على الدعم والحب والرضا بينهم، ويتميز الكتاب بملحق من التمارين والتدريبات التي تكشف علاقة المشاكل في مرحلة الطفولة بالعلاقة العاطفية الزوجية الحالية.

فن الحب – The Art of Loving:

فن الحب للكاتب Erich Fromm، يتناول أسلوب فلسفي عقلاني لتوضيح معنى الحب، وأنه فن من الفنون التي يمكن تعلمها، ولا يختصر الحديث عن الحب للعاشقين بل يتطرق لحب الله وحب الأخوان والوالدان وحب الذات، ومن أجمل ما قيل في هذا الكتاب أن الحب ليس وقوع وإنّما صعود.

إنّ كلمة الوقوع فى الحُبّ ليست صحيحةً، فالمحبة فعل إيجابي، والإنسان فيه ينهض، ويخطو ويسير، ويتعلم”

المأدبة Banquet:

كتاب للفيلسوف أفلاطون، الذي ألّفه بعدما أقام الشاعر أغاثون مأدبة في منزله احتفالاً بنجاحه لأول عمل مسرحي قام به، فطلب من كل المدعوين أنّ يلقوا خطاباً عن إله الحب، وكان من بينهم الفيلسوف سقراط، فبنى أفلاطون حواراً حول الحب وفلسفته ليوصلنا به أنّ للقلب وظيفة كما العقل نستطيع أن نصل إلى الحقيقة والمعرفة، بحيث ينتقل القلب من الجمال الحسي إلى الجمال الكامل.

“هنا الخير الذي ترغب فيه كل روح

هنا السكون الذي يتطلع إليه كل شخص

هنا الحب، والسعادة ها هنا،

وهنا، يا روحاً في أعالي السماء!

تتطلعين إلى صورة البهاء

الذي أعشق في هذا العالم”

السابق
فلسفة الرجل والمرأة
التالي
ما هي فلسفة الأخلاق؟

اترك تعليقاً